إبحث في المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات Enmity. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات Enmity. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 13 فبراير 2019

العداوة بين الأوس والخزرج

enmity between Ous Khazraj

العداوة بين الأوس والخزرج

كانت أول فتنة وقعت بين الأوس والخزرج << حرب سمير >> وذلك أن رجلاً حليفاً يقال له كعب فاخر الأوس بشيء فغضب منهم رجل يقال له سمير وشتمه ثم رصده حتى خلا به فقتله. فغضب مالك بن عجلان وطلب الرجل عشيرته فأنكروا معرفته وعرضوا عليه الدية فقبلها فأرسلوا إليه نصف دية لأن الرجل حليف لا نسيب فأبى إلا دية كاملة فامتنعوا ولج الأمر حتى أفضى إلى المحاربة فاقتتلوا مرتين كانت النصرة في الثانية منهما للأوس، فلما افترقوا أرسلت الأوس إلى مالك أن حكم بيننا المنذر بن حرام النجاري الخزرجي وهو جد حسان بن ثابت فأجابهم إلى ذلك فحكم بأن يؤدي الأوس إلى مالك دية الصريح ثم يعودون إلى سنتهم القديمة فرضوا بذلك وافترقوا وقد شبت البغضاء في قلوبهم وتكنت العداوة بين القبيلتين.

ثم إن كعب بن عمرو المازني الخزرجي تزوج امرأة من بني سالم فأمر أحيحة بن جلاح رئيس بني جحجبا من الأوس جماعة أن يرصدوه ويقتلوه ففعلوا فدعا أخوه عاصم قبيلته للنصرة فاستعدوا والتقوا هم والأوس واقتتلوا قتالاً شديداً فانهزمت بنو جحجبا وانهزم أحيحة فركض وراءه عاصم فأدركه وقد دخل الحصن وأغلقه فرماه بسهم فلم يصبه فقتل أخاً له فعزم أحيحة أن يكبس بني النجار وكان متزوجاً بامرأة منهم فلم يرضها ذلك وخافت على قومها فسارت إليهم ليلاً وقد نام أحيحة بعد سهر طويل وأنذرتهم فلما هم أحيحة إذا هم على سلاحهم فلم يقدر عليهم فضرب امرأته حتى كسر يدها لما بلغه ما فعلت وطلقها.

ثم كانت حرب بين بني وائل بن زيد من الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج. وذلك أن الحصين بن الأسلت الأوسي نازع رجلاً من بني مازن وقتله فتبعه قوم من بني مازن فقتلوه فبلغ ذلك أخاه أبا قيس بن الأسلت فجمع قومه وانذمت الأوس والخزرج كلها فاقتتلوا قتالاً شديداً فانهزمت الأوس.

ثم كانت حرب بين بني ظفر من الأوس وبني مالك بن النجار من الخزرج، وذلك أن رجلاً من ظفر كان يمر إلى أرضه في أرض رجل من بني النجار فمنعه فلم يمتنع فنازعه فقتله الظفري فاجتمع قومهما واقتتلا فانهزم بنو مالك بن النجار.

ثم إن رجلاً من بني النجار أصاب غلاماً من قضاعة وقتله وكان عم الغلام جاراً لمعاذ بن النعمان الأوسي فطلب معاذ ديته من بني النجار فامتنعوا فلقيهم بقومه عند فارع أطم حسان بن ثابت ولم يزل القتال بينهم حتى حمل الدية إليه عامر بن الإطنابة فاصطلحوا حالاً.

ثم كانت الوقعة المعروفة بحاطب وهو وهو حاطب بن قيس من بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف الأوسي وبينها وبين حرب سمير نحو مائة سنة وكان سبب هذه الحروب أن حاطباً كان رجلاً شريفاً سيداً فأتاه رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فنزل عليه ثم إنه غدا يوماً إلى سوق قينقاع فرآه يزيد بن الحارث المعروف بابن فسحم وهي أمه وهو من بني الحارث بن الخزرج فقال يزيد لرجل يهودي: لك ردائي إن كسعت هذا الثعلبي فأخذ رداءه وكسعه كسعة سمعها من بالسوق فنادى الثعلبي يا لحاطب كسع ضيفك وفضح. وأخبر حاطب بذلك فجاء إليه فسأله من كسعه فأشار إلى اليهودي فضربه حاطب بالسيف ففلق هامته فأخبر ابن فسحم الخبر وقيل له: قتل اليهودي قتله حاطب، فأسرع خلف حاطب فأدركه وقد دخل بيوت أهله فلقي رجلاً من بني معاوية فقتله ( ولا ندري السبب الذي دعا ابن فسحم أن يحرض ذلك اليهودي على ضرب الثعلبي في دبره ) فثارت الحرب بين الأوس والخزرج وكان الظفر فيها للخزرج وهذا اليوم من أشهر أيامهم، وكان بعده عدة وقائع كلها من حرب حاطب فمنها: يوم الربيع، ويوم البقيع، والفجار، الأول والثاني، ويوم بعاث وهو آخر الأيام بينهم.

وفي يوم الفجار الثاني حافت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني، وسبب حرب يوم بعاث هو أن قريظة والنضير جددا العهود مع الأوس على المؤازرة والتناصر واستحكم أمرهم وجدوا في حربهم ودخل معهم قبائل من اليهود غير من ذكرنا فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت وحشدت وأرسلت حلفاءها من أشجع وجهينة وأرسلت الأوس حافاءها من مزينة ومكثوا أربعين يوماً يتجهزون للحرب والتقوا ( ببعاث ) وهي من أعمال قريظة. وعلى الأوس حضير الكتائب والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي وتخلف عبد الله بن أبي ابن سلول فيمن تبعه عن الخزرج. وتخلف بنو حارثة بن الحارث عن الأوس. فلما التقوا اقتتلوا قتالاً شديدا وصبروا جميعاً، ثم إن الأوس وجدت من السلاح، فولوا منهزمين نحو العريض فلما رأى حضير هزيمتهم برك وطعن قدمه بسنان رمحه وصار واعقراه كعقر الجمل والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا، فعطفوا عليه وقاتل عنه غلامان من بني الأشهل يقال لهما: محمود ويزيد ابنا خليفة حتى قتلا وأقبل سهم لا يدري من رمى به فأصاب عمرو بن النعمان البياضي رئيس الخزرج فقتله فبينا عبد الله بن أبي ابن سلول يتردد راكباً قريباً من بعاث يتجسس الأخبار إذ طلع عليه بعمرو بن النعمان قتيلاً في عباءة يحمله أربعة رجال كما كان قال له. فلما رآه قال: ذق وبال البغي. وانهزمت الخزرج ووضعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح: يا معشر الأوس أحسنوا ولا تتلهوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا هنهم ولم يسلبوهم وإنما سلبهم قريظة والنضير وحملت الأوس حضيراً مجروحاً فمات وأحرقت الأوس دور الخزرج ونخيلهم فأجار سعد بن معاذ الأشهلي أموال بني سلمة ونخيلهم ودورهم جزاء بما فعلوا له في الرعل، ونجى يومئذٍ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي أخذه فجز ناصيته وأطلقه، وهي اليد التي جازاه بها ثابت في الإسلام يوم بني قريظة.

الخلاصة

تبين لنا من تاريخ الخزرج والأوس أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو ومزيقياء الذي خرج من اليمن بعد تفرق أهل سبأ بسيل العرم وأن هذا السيل ليس خرافة بل حدث مراراً وخرب السد فغرقت البلاد.

وقد لبثت الخزرج والأوس حيناً من الدهر مع اليهود يحيون الأرض الموات ويزرعونها وهم في عسر شديد وكان اليهود هم أرباب الأموال فحدث نزاع وشجار بينهم وبين اليهود وهو أشبه بشيء بالثورات التي حدثت بين المزارعين أو العمال والمتمولين في القرون الأخيرة.

ثم نشبت حروب بين الأوس والخزرج فتارة كان النصر فيها للخزرج وأخرى للأوس وكان الظفر في أكثرها للخزرج. وأخيراً حالفت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وانضم بنو قينقاع إلى الخزرج على تلك الحروب الطاحنة بين القبيلتين الأختين كان سببها - بناء على ما وصل إلينا من تاريخها - حزازات شخصية كان في الإمكان ملافاتها. لكن العداء اشتد بينهما لما في طبيعة العرب من التمسك بالأخذ بالثأر. وقد بلغت العاداوة بين الخزرج والأوس مبلغاً عظيماًقبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وآخر الحروب بينهم يوم بعاث الذي هزم فيه الخزرج وكان حوالي 616 م فلما سئموا القتال أجمعوا على تتويج عبد الله بن أبي ابن سلول ملكاً عليهم وابن سلول هذا هو هو الملقب برأس المنافقين وكلن رئيس الخزرج ولما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارهاً مصرّاً على النفاق والضغن فكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون. وقد حسد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الإسلام منع تتويجه وأخذته العزّة فأضمر الشرّ وهو الذي قال في غزوة المصطلق: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّْ. فقال ابنه عبد الله للنبي: هو والله الذليل وأنت العزيز يا رسول الله إن أنت أذنت لي في قتله قتلته فوالله لقد علمت الخزرج ماكان بها أحد أبر بوالده مني. ولكني أخشى أن تأمر به رجلاً مسلماً فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي ينشي على الأرض حياًّ حتى أقتله. فقال صلى الله عليه وسلم: " بل نحسن صحبته ونترفق به ما صحبنا ولا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ولكن بر أباك وأحسن صحبته ".

ولما أنعم الله على الخزرج والأوس بنعمة الإسلام اتفقت الكلمة واجتمع الشمل وتآخى الفريقان فوحد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمهما ولقبهما بالأنصار لأنهم نصروه. وتوحيد الإسمين تحت راية الإسلام كان له أعظم أثر في النفوس؛ إذ بذلك امتنع الشقاقوتصافت النفوس وساروا جميعاً نحو غرض واحد وهو نشر الإسلام.

جاء في دائرة المعارف الإسلامية في مادة أنصار ( Ansar ): [ لكأن محمداً أراد أن يشابه بين كلمة الأنصار والنصارى المطلقة على المسيحيين ] وهذا خطأ واضح لأن كلمة أنصار جمع نصير أما نصارى فنسبة إلى قرية بالشام تسنى ناصرة أو نصران وفوق ذلك فإن سبب تسمية الخزرج والأوس بالأنصار معروف وهو أنهم نصروه صلى الله عليه وسلم وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم على التشبه والتقليد.


المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد