إبحث في المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات Messenger. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات Messenger. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 10 فبراير 2019

معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

agreement Messenger Allah with Jewish

معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

قال ابن إسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط عليهم واشترط لهم:

بِسْــمِ الله الرَّحْمَــــنِ الرَّحِيــــمِ

" هذا كتاب من محمّد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكا طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة نفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وأن المؤمنين لا يتركون مفرجاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ولا يحالف مؤمن مولى من دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن. وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وأنه من يتبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وأن كل غازية غزت معنا تعقب بعضها بعضاً وأن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن وأنه من اغتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده الى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما دامو محاربين وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وأن لبني الشطنة مثل ما ليهود بني عوف وأن البردون الإثم وأن موالي ثعلبة كأنفسهم وأن بطانة يهود كأنفسهم وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينحجز على ثار جرح وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة والبردون الإثم وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين؛ وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وأن ليهود الأوس مواليهم وأنفسهم مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن من أهل هذه الصحيفة وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

السبت، 9 فبراير 2019

خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول خطبة صلاها بالمدينة

Sermons Messenger Allah first prayer tcity

خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول خطبة صلاها بالمدينة

هذا نص الخطبة التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف.

" الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالاً بعيداً. وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم، ثم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكراً، وأن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة. ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت حتى يفتقر المرء الى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد. والذي صدق قوله وأنجز وعده ولا خلف لذلك فإنه يقول عزّ وجلّ: ¤ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ¤ فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله يوقي مقته ويوقي سخطه، وإن تقوى الله يبيض الوجوه ويرضي الرب ويرفع الدرجة. خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله. قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ على بينة ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإنه يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم ".

هذه هي أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في أول جمعة ونلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيها أهل مكة ولا ما كان من عنادهم وإصرارهم على الكفر وإيذائهم للمسلمين، وتآمرهم على قتله بل قصر خطبته على حض المسلمين على التقوى وتذكيرهم بالله تعالى وهذا في الحق غاية الأدب ومنتهى ما يصل إليه حلم الحليم. ولو كان غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستفزه الغضب وعدد مثالبهم لأنهم هم الذين خذلوه واضطهدوه وأخرجوه من أحب البلاد إليه وكانوا عقبة في في سبيل تبليغ رسالة ربه وقد صدق الله تعالى حيث قال: ¤ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ¤.

نعم إن هذا خلق عظيم وأدب كريم، ونحن نرى رجل الأحزاب يستعملون في خطبهم أقبح الألفاظ وأشنع الشتائم لأسباب تافهة ومع ذلك يزعمون أنهم قادة وسادة ينشرون العلم والمدنية وينشدون الإصلاح والحرية!!.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الجمعة، 8 فبراير 2019

وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة

arrival Messenger Allah Madinah

وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة

وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم اللإثنين من شهر ربيع الأول قرب الظهر. ونزل قباء على كلثوم بن الهدم شيخ بني عمرو بن عوف وهم بطن من الأوس. وقباء قرية على ميلين من جنوب المدينة وهي خصبة بها حدائق من أعناب ونخيل وتين ورمان وأقام بها رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجد قباء وهو الذي أسس على التقوى من أول يوم. ونزل أبو بكر ضي الله عنه على حبيب بن إساف بالسنح ثم قدم عليّ رضي الله عنه ومعه الفواطم وأم أيمن وولدها أيمن و جماعة من ضعفاء المؤمنين بعد أن أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده إلى الناس، ولما وصل نزل عن كلثوم بن الهدم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان علي رضي الله عنه في في طريقه يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وبكى رحمة به لما بقدمه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك. ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يريد المدينة وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي بمن معه من المسلمين وكانوا مئة وهي أول جمعة صلاها بالمدينة وأول خطبة خطبها في الإسلام ثم ركب راحلته ( القصوى ) يريد المدينة وأرخى زمامها فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا: هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة ويعترضون ناقته فيقول: خلوا سبيلها فإنها مأمورة حتى بركت عند موضع مسجده اليوم وكان مربداً للتمر لغلامين يتيمين وهما: سهل وسهيل ابنا عمرو من بني النجار فلما بركت لم ينزل عنها ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به فالتفتت خلفها ثم رجعت الى مبركها الأول فبركت فيه ووضت جرانها ( مقدمة عنقها ) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو أيوب الأنصاري رحل ناقته الى بيته فأقام عنده حتى بنى حجره ومسجده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبي المربد - وكانا غلامين - فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبل منهما هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير ذهباً أداها من مال أبي بكر ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن ( الطوب النيء ) في بنيانه ويقول وهو ينقل اللبن:

هذا الحمال لا حمال خيبر ....... هذا أبر ربنا وأطهر

ويقول:

إم إن الأجر أجر الآخرة ....... فارحم الأنصار والمهاجرة

ثم أودع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم اليهود وكتب بينه وبينهم كتاب صلح وموادعة وسنأتي على نص الكتاب فيما بعد.

وقبل أن يتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء مسجده مات سعد بن زارة بالذبحة والشهقة، وكان نقيباً لبني النجار فطلبوا إقامة نقيب مكانه فقال: أنا نقيبكم ولم يخص منهم أحداً دون آخر فكانت من مناقبهم. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده من ربيع الأول إلى صَفَرْ، فكان مسجداً بسيطاً، جدرانه من اللبن، على قاعدة الحجارة. والسقف من جريد النخل، مقاماً على الجذوع ولم يكن فيه أثر للزخرفة، أو النقش وليس به منبر. فكان الرسول يخطب في باديء الأمر بلا منبر.

فرح أهل المدينة بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً وقابلوه بالإبتهاج وصعدت ذوات الخدور على الأسطحة. وعن عائشة رضي الله عنها: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جلس النساء والصبيان والولائد يقلن جهراً:

طلع البدر علينا ....... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ....... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ....... جئت بالأمر المطاع

ولعبت الحبشة بحرابهم فرحاً بقدومه صلى الله عليه وسلم. وكانت الأنصار يتقربون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدايا رجالهم ونساؤهم.

قال ابن عباس: ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، واستنبيء يوم الإثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الإثنين، وقبض يوم الإثنين، وابتدىء التاريخ في الإسلام من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وأول من أرخ بالهجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبعة عشرة من الهجرة إلا أن التاريخ الهجري يبدأ قبل الهجرة بشهرين. وذلك أنهم جعلوا مبدأ التاريخ المحرم من تلك السنة والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة. ثم كانت الهجرة بعد ذلك في ربيع الأول.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأربعاء، 6 فبراير 2019

مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم


مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

لقد بلغ اضطهاد قريش للمسلمين أنهم اضطروهم إلى الهجرة ففريق هاجر إلى الحبشة ثم هاجر من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. ولما علمت قريش تتابع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة أخيراً إلى المدينة وقد صارت له شيعة وأنصار من غيرهم وأنه أجمع على اللحاق بهم، تشاوروا فيما يصنعون في أمره فاجتمعوا في ( دار الندوة ) وهي دار قصي بن كلاب وتشاوروا في حبسه أو إخراجه عنهم ( نفيه ) ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم شاباً جلداً فيقتلوه جميعاً فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً ويقال: إن هذا كان رأي أبي جهل. وهكذا نجد دائماً اسم أبي جهل وأبي لهب في كل مؤامرة ضد النبي صلى الله عليه وسلم وكل إيذاء واضطهاد كأن لا عمل لهما غير ذلك.

استعدوا لقتله عليه الصلاة والسلام من ليلتهم وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فأمر علياً أن ينام على فراشه ويتشح ببرده الأخضر وأن يتخلف عنه ليؤدي ماكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الودائع إلى أربابها فامتثل أمره فكان أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ووقى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا نقول إن الأستاذ مرجوليوث اعتاد أن يصف أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم برجاحة العقل والنبل ولا يعدم أن يجد كتاباً يذكره كمصدر له من غير تحقيق فقد قال عن أبي جهل في كتابه محمد إنه حاز شهرة عظيمة في العقل حتى إنه دخل دار الندوة في سن الثلاثين في حين أنه لا يسمح لأحد من أهل مكة بدخولها، إلا إذا بلغ الأربعين. والحقيقة أنهم كانوا لا يدخلون فيها غير قرشي إلا إذا بلغ أربعين سنة بخلاف القرشي تمييزاً له وبما أن أبا جهل قرشي فكان يسوغ له دخول دار الندوة قبل الأربعين وليس ذلك لأنه شديد الذكاء راجح العقل بل لأنه كان قرشياً.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الاثنين، 4 فبراير 2019

عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

Show Messenger Allah himself tribes Arabs

عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب

أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته باديء الأمر ثم أعلنها في السنة الرابعة من النبوة ودعا الى الإسلام عشر سنين يوافي المواسم كل عام يتبع الحجاج في منازلهم بمنى والموقف يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة، ويسأل عن منازلهم ويأتي اليهم في أسواق الموسم وهي عكاظ ومجنة وذو المجاز، وكانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوال، ثم تجيء الى سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوماََ، ثم تجيء الى سوق المجاز فتقيم به أيام الحج وكان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه عليهم ويدعوهم الى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه، وكان يطوف على الناس في منازلهم ويقول: " يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاََ " وكان أبو لهب يمشي وراءه ويقول: إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم، وروى ابن اسحاق أنه صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على كندة وكلب وعلى بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. فقال له: أنقاتل العرب دونك فإذا أظفرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليك. فلما رجعت بنو عامر الى منازلهم وكان فيهم شيخ أدركته السن لا يقدر أن يوافي معهم الموسم. فلما قدموا عليه سألهم عما كان في موسمهم فقالوا: جاءنا فتى من قريش أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدعونا أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا فوضع الشيخ يده على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف؟ أي هل لهذه القصة من تدارك. والذي نفس فلان بيده ما يقولها كاذباً من بني اسماعيل قط وإنها لحق وإن رأيكم غاب عنكم.

وروى الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم أتى بني عبس وبني سليم وبني محارب وفزارة ومرة وبني النضر وعذرة والحضارمة فردوا عليه صلى الله عليه وسلم أقبح الرد وقالوا: أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك، ولم يكن أحد من العرب أقبح عليه من بني حنيفة وهم أهل اليمامة، قوم مسيلمة الكذاب، ومن ثم جاء في الحديث (( شر قبائل العرب بنو حنيفة )) ومن أقبح القبائل في الرد عليه صلى الله عليه وسلم ثقيف، ومن ثم جاء (( شر قبائل العرب بنو حنيفة وثقيف )) ومازال صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في كل موسم يقول لا أكره أحداً على شيء من رضي الذي أدعو إليه فذاك ومن كره لم أكره وإنما إريد منعي من القتل حتى أبلغ رسالة ربي فلم يقبله صلى الله عليه وسلم أحد من تلك القبائل ويقولون: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلاً يصلحنا وقد أفسد قومه.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا

إقرء المزيد

السبت، 2 فبراير 2019

هل رأى رسول الله ربه ليلة الإسراء ؟

Did messenger see god night Isra

هل رأى رسول الله ربه ليلة الإسراء؟

أنكرت عائشة رضي الله عنها ؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء وروي عن ابن عباس أنه رآه بعينه ومثله عن أبي ذر وكعب رضي الله عنهما وكان الحسن رحمه الله يحلف على ذلك. ومن القائلين بالرؤية ابن مسعود وأحمد بن حنبل وجماعة من الصحابة. وعن ابن عباس أنه قال: " أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم "، وعن عكرمة سئل ابن عباس هلى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقال: قال النووي في شرح صحيح مسلم: والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع اليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر رضي الله عنهم في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه! فأخبره أنه رآه.

ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله عنها فإنها لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لم أر ربي وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة بقوله تعالى: ¤ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا ¤ ولقوله تعالى: ¤ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ¤ والصحابي اذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يقل قوله حجة وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في اثبات الرؤية وجب المصير إلى اثباتها فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أن تكلم في هذه المسألة بالظن والإجتهاد. وقد قال معمر بت راشد حين ذكر إختلاف عا\شة وابن عباس ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس. ثم ان ابن عباس أثبت شيئاً نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي.

والراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء. والظاهر أن إخباره صلى الله عليه وسلم بالمعراج لم يكن عند إخباره بالإسراء، بل تأخر عنه بمدناء على أنهما كانا في ليلة واحدة ولم تنزل قصة المعراج في سورة الإسراء بل أنزل ذلك في سورة النجم، ومما يؤيد أنهما كان في ليلة واحدة قول البخاري في صحيحه < باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء > أن من المعلوم أن فرض الصلوات الخمس إنما هو في المعراج.

نقول وقد خالفت عائشة ابن عباس في هل كان الإسراء بالجسد أو بالروح فقالت عائشة والله ما فقد جسد رسول الله ولكن صعد بروحه وابن عباس يقول انه إسراء بالجسد وفي اليقظة وهذا ما ذهب اليه معظم الصحابة أما ما يتصوره بعضهم من أن الصعود بالجسد إلى السموات مستحيل عقلاً فنقول ان هذا الصعود بالجسم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدرك بالعقل كجميع معجزاته وكمعجزات الرسل عليهم صلوات الله ولو كان الصعود بالروح فقط لصرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان أمر الإسراء والمعراج عجيباً فأعجب منه أن المسيح يصلب ويقتل ويدفن ثم يقوم من بين الموتى ويصعد الى السماء ويجلس على يمين الله كما يعتقد المسيحيون.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأحد، 27 يناير 2019

سفر محمد رسول الله إلى الطّائف

Travel Messenger God Taif Mohamed

سَفَرُ مُحَمَّدْ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفْ

الطّائف بلدة في الحجاز على مسافة 65 ميلاً جنوباً شرقياً من مكة، وهي مشهورة بجودة مناخها وخصب أرضها وفواكهها ولا سيما العنب والبرقوق والرمّان والخوخ وبها مياه جارية ويضرب بعنبها المثل في الحسن وريما جمد الماء فيها في الشتاء. والجبل الذي هي عليه يقال له ( غزوان ) وهي مصيف أغنياء مكّة، ومقر عبادة العزى وقد سافر اليها النبي صلى الله عليه وسلم لثلاث بقين من شوال سنة عشر من المبعث ( يناير - فبراير 620 م ) ومعه مولاه زيد بن حارثة يلتمس من ثقيف النصرة فعمد الى جماعة من أشراف ثقيف ودعاهم الى الله فقال واحد منهم: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك أبداً لأنك إن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك. 

وأغروا به سفهاؤهم وعبيدهم ويرمونه بالحجارة ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى حائط وقد أدموا رجليه فلما اطمأن ورجع عنه السفهاء قال عليه الصلاة والسلام: " اللهم أشكو إليك ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس. اللهم يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتهجّمني أو إلى عدوٍّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ عضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع، إني أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل بي سخطك لك العتبى حتى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك " وهذا الدعاء مشهور بدعاء الطائف. 

فلما رآى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحركت له رحمهما فدعوا له غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس. فقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل فقل له أن يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال بسم الله. فنظر عداس الى وجهه ثم قال: والله ان هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلدة. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟ قال: أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أخي كان نبياً وأنا نبيّ. فأكب عباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه ورجليه. 

فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل. لقد خبرني يأمر لا يعلمه إلا نبي. فقالا: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه. ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعاً الى مكة حين يئس من خير ثقيف فوجد قومه أشدّ ما كانوا عليه من خلافة وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به. 

وفي الطبري: أن بعضهم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مريداً مكة مر به بعض أهل مكة فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: هل أنت مبلغ عني رسالة أرسلك بها؟ قال: نعم. قال: آئت الأخنس بن شريق فقل له يقول لك محمد: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي؟ قال: فأتاه فقال ذلك. فقال الأخنس: إن الحليف لا يجير على الصريح. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. قال: تعود؟ قال: نعم. قال: آئت سهيل بن عمرو فقل له ان محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ قال: نعم فليدخل. فرجع اليه الرجل فأخبره. وأصبح المطعم قد لبس سلاحه وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد. فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع. قال: قد أجرنا من أجرت. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأقام بها، فدخل يوماً المسجد الحرام والمشركون عند الكعبة فلما رآه أبو جهل قال: هذا نبيكم يا بني عبد مناف. قال عتبة بن ربيعة: وما تنكر أن يكون منا نبي أو ملك؟ فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعه قأتاهم فقال: أما أنت يا عتبة بن ربيعة فوالله ما حميت لله و لا لرسوله ولكن حميت لأنفك. وأما أنت يا أبا جهل فوالله لا يأتي عليك غير كبير من الدهر حتى تدخلوا فيما تنكرون وأنتم كارهون.

ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بالطائف عشرة أيام، وظاهر أن الذي دعاه الى السفر هو التماس النصرة، ولكنهم خذلوه وما التمس النصرة من ثقيف الا بعد أن توفي أبو طالب وخديجة. أضف الى ذلك أن فريقاً من المسلمين هاجروا الى الحبشة، ولما عاد من الطائف لم يستطع دخول مكة إلا بجوار رجل كالمطعم بن عدي.

وفي رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف مرّ به نفر من جنّ أهل نصيبين اليمن وهو يقرأ سورة (الجن) فاستمعوا له وآمنوا به، ولم يشعر بهم صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه: ¤ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ¤ وكانوا سبعة وقيل أكثر.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

السبت، 19 يناير 2019

شفاعة الغرانيق ( ذكور طير الماء )

Slander heretics on messenger god

افتراء الزّنادقة على رسول الله

روى بعض المؤرخين ونقل عنهم المفسرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من قومه كفّاً عنه، جلس خاليا وتمنى فقال: ليته لا ينزل عليَّ شيء ينفرهم عني وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يوما مجلساً في نادٍ من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم: ¤ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ¤ حتى بلغ : ¤ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ¤ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ¤. ألقى الشيىطان كلمتين على لسانه: "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترجى" فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ثم مضى فقرأ السورة كلّها وسجد وسجد القوم جميعاً ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، ويقال: إن أبا أحيحة سعيد بن العاص أخذ ترابا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا فبعض الناس يقول: إنما الذي رفع التراب الوليد وبعضهم يقول: أحيحة، وبعضهم يقول كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق. ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده وأما إذا جعلت لها نصيباً فنحن معك. فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة فقال جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قلت على الله ما لم يقل " فأوحى الله إليه: ¤ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ¤ إلى قوله: ¤ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ¤.

نقل هذه الرواية ابن سعد في طبقاته عن عبد الله بن حنطب. وقد قال الترمذي: إن عبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الثلاثة. أما الآية التي قيل انها نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال على الله ما لم يقل بذكره شفاعة الغرانيق وهي: ¤ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ¤ فلم تنزل بهذه المناسبة. فقد قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه شططاً وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة من شجرها وطيرها ووحشها، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم فكرروا ذلك الإلتماس وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب طيتنا ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وداخلهم الطمع فصاح عليهم عمر وقال: أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمسك عن الكلام كراهية لما تذكرونه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى صاحب الكشاف أنهم جاؤوا بكاتبهم فكتب: بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله إلى ثقيف لا يعشرون ولا يحشرون، ولا يجبون، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا للكاتب: أكتب ولا يجبون والكاتب ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام عمر بن الخطاب وسلّ سيفه وقال: أسعرتم قلب نبينا يا معشر قريش أسعر الله قلوبكم ناراً. فقالوا: لسنا نكلمك إنما نكلم محمداً. فنزلت هذه الآية. وهذه القصة إنما وقعت بالمدينة فلهذا السبب قالوا إن هذه الآية مدنية.

وذكر الطبري في مسألة شفاعة الغرانيق فقال: حدثني محمد بن اسحاق عن يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب القرظي. ثم سرد رواية محمد بن كعب القرظي بما يقارب رواية عبد الله بن حنطب التي نقلناها عن طبقات ابن سعد إلا أنه قال فأنزل الله عز وجل: ¤ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ¤ فأذهب الله عزّ وجلّ عن نبيه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم إنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترجى بقول الله عزّ وجلّ حين ذكرت اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: ¤ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى ¤ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ¤ إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ¤ إلى قوله تعالى: ¤ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى ¤. أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده الخ.
¤ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى ¤ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ¤ إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ¤

أما محمد بن كعب القرظي - منسوب إلى بني قريظة الطائفة المعروفة من اليهود - فهو تابعي توفي سنة ثمان ومائة. جاء في تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني ما يأتي: ( وما تقدم نقله عن قتيبة من أنه وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا حقيقة له وإنما الذي وُلد في عهده هو أبوه فقد ذكروا أنه من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله. حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد. قال الفخر الرازي في تفسيره الآية المتقدّمة بعد أن ذكر قصّة شفاعة الغرانيق: هذه رواية علمة المفسرين الظاهريين. أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول. أما القرآن فمن وجوه: 
أحدها: قوله تعالى: ¤ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ¤ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ¤ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ¤.

وثانيها: قوله تعالى: ¤ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ  ¤.

وثالثها: قوله تعالى: ¤ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ¤ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ¤. فلو أنّه قرأ عقب هذه الآية تلك الغرانيق العلى، لكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال. وذلك لا يقوله مسلم.

ورابعها: قوله تعالى: ¤ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ¤. وكلمة كاد معناها قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل.

وخامسها: قوله تعالى: ¤ وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ¤. وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لوجود غيره فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل لوجود التثبيت.

وسادسها: قوله تعالى: ¤ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ  ¤.

وسابعها: قوله تعالى: ¤ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ¤.

أما السنة فهي ما روي عن محمد بن اسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال هذا من وضع الزنادقة وصنف فيه كتاباً.

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وأيضاً فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن وليس فيها حديث الغرانيق.

روي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق. وأما المعقول فمن وجوه:

أحدها: أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.

وثانيها: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمناً أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلاً أو في أوقات خلوة وذلك يُبطل قولهم.

وثالثها: أن معاداتهم الرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خرّوا سجداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم؟

رابعها: قوله تعالى: ¤ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ¤. وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخة بهذه الآيات التي تُبقي الشبهة معها فإذا أراد الله إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلاً أولى.

وخامسها: وهو أقوى الوجوه - إنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالى: ¤ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ  ¤. فإنه لا فرق في العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه. فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة وكل ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها هنا لكنهم ما بلغوا حد التواتر وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة.

ثم ذكر الفخر الرازي تفصيلات أخرى فلتراجع. وإنا نعتقد أن هذه القصة باطلة ومدسوسة ومن وضع الزنادقة الذين يريدون بالإسلام سوءاً ومع هذا فليس من المعقول أن يعترف النبي صلى الله عليه وسلم بشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة الله تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه صلى الله عليه وسلم بدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر لكان ألعوبة له ليس في هذه القصة فقط بل في غيرها أيضاً، والنبي معصوم من الشيطان. قال البيضاوي في تفسيره بعد ذكر قصّة الغرانيق: ( ثم نبهه جبريل فاغتنم به فعزاه الله بهذه الآية وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه )
قال اسماعيل القنوي في حاشيته: وهو مردود عند المحققين، بل يجب أن يكون مردودا عند جميع المسلمين لما عرفته من إمارات الكذب. قوله وإن صح الخ إشارة إلى منع صحته رواية لما قاله القاضي عياض في الشفاء إنه لم يوجد في شيء من الكتب المتمدة بسند صحيح. وقال: إنه من وضع الزنادقة. وقال القاضي عياض: إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل انما أولع به المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب.

قال ابن حزم في كتاب الملل والنحل: وأما الحديث الذي فيه وأنهن الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترجى فكذب بحت لأنه لم يصح قط من طريق النقل ولا معنى للاشتغال به إذ وضع الكتاب لا يعجز عنه.

وقال البيهقي: رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم. وقال الإمام النووي نقلاً عنه وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جرى على لسانه من الثناء على آلهتهم فباطل لا يصح منه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن مدح إله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يقوله الشيطان على لسانه صلى الله عليه وسلم ولا يصح تسلط الشيطان عليه وإلا لزم عدم الوثوق بالوحي.

وقال الألوسي في تفسيره: وأقبح الأقوال التي رأيناها في هذا الباب وأظهرها فساداً أنه صلى الله عليه وسلم أدخل تلك الكلمة من تلقاء نفسه حرصاً على إيمان قومه ثم رجع عنها. ويجب على قائل ذلك التوبة، كبرت كلمة خرجت من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. وقريب منه ما قيل إنها كانت قرآناً منزلاً في وصف الملائكة عليهم السلام. فلما توهم المشركون أنه يريد عليه الصلاة والسلام مدح آلهتهم بها نسخت. وأنت تعلم أن تفسير الآية أي قوله تعالى: ¤ وَمَا أَرْسَلْنَا ¤ الخ، لا يتوقف على ثبوت أصل لهذه القصة.

أما معنى قوله تعالى: ¤ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ¤ الخ. إن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى، وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم فلم يعصمهم عن جواز السهو ووسوسة الشيطان بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر. فالآية ليست بخصوص قصة الغرانيق بل هي بخصوص وسوسة الشيطان على العموم للأنبياء والرسل فالواجب ألا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم. فذلك هو المحكم.

وقال أبو مسلم معنى الآية أنه لم يرسل نبيا إلا إذا تمنى كأنه قيل وما أرسلنا إلى البشر ملكا. وما أرسلنا إليهم نبيا إلا منهم وما أرسلنا نبيا خلا عند تلاوته الوحي من وسوسة الشيطان وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلم صواب ذلك وبطلان ما يكون من الشيطان. قال وفيما تقدم من قوله: ¤ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ¤. تقوية لهذا التأويل فكأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة ولم يرسل الله تعالى مثلي ملكا بل أرسل رجالاً فقد يوسوس الشيطان إليهم.

فأمثال هذه القصص المدسوسة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي جلت للطاعنين في الإسلام مجالاً للنقد وتشويه الحقائق وتقبيح المحاسن، وقد حشرت في كتبنا من غير تحقيق. وهاك دليلاً آخر على كذب هذه القصة من الوجهة التاريخية وهو:

إن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت في رجب سنة خمس من النبوة وكانت السجدة في رمضان من السنة نفسها أي قبل إسلام حمزة وعمر لأنهما أسلما في السنة السادسة.

وقد أجمع المؤرّخون على أن المسلمين قبل اسلام عمر كانوا يستخفون في دار الأرقم ويؤدون شعائرهم الدينية في منازلهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدرون أن يصلوا عند الكعبة حتى أسلم عمر. فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلوا معه واتفقوا على تسنيته ( الفاروق ).

فإذا كان المسلمون قبل إسلام عمر ما كانوا يستطيعون الصلاة عند الكعبة فكيف مع هذا يقال إن رسول الله سجد عند الكعبة، وسجد معه القوم جميعاً؟ الحقيقة أن الرواية كذب واختلاق محض.

قال موير في الجزء الثاني من حياة محمد: إن حمزة وعمر أسلما في السنة السادسة من النبوة، وقال إن المسلمين لم يعودوا يخفون صلاتهم في منازلهم بل كانوا بعدئذٍ يجتمعون حول الكعبة ويصلون وهم آمنون مطمئنون.

إن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة عادوا إلى مكّة بسبب ما بلغهم من تحسن الأحوال أو أنهم سمعوا إشاعة كاذبة تطمئنهم فقدموا في شوال سنة خمس إلا أنه لم يدخل أحد منهم إلا بجوار عثمان بن مظغون فإنه دخل بلا جوار ومكث قليلا ثم أسرع الرجوع إلى الحبشة لأن المسلمين كانوا لا يزالون يضطهدون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعيب الأصنام.

فكل هذه البراهين تؤيد أن قصة شفاعة الغرانيق أو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهة قريش بخير، افتراء واختلاق ولا يمكن أن يصدق هذه القصة أحد من المؤرخين المحققين. وقد ذكرت في كتاب القرون الوسطى لجامعة كامبريدج الجزء الثاني باعتبار أنها صحيحة. وأنه صلى الله عليه وسلم ندم على ما قال ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه، واستنتج الكاتب أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعتقد أنه إنما يتبع أمراً إلاهياً سواء عند تلفظه بهذه الكلمات أو عند عدوله عنها. لكنه علق في الهامش بما يأتي:
( إن كثيرا من المحققين المسلمين يعتبرون هذه القصة خرافية وهذا ما كان ينتظر منهم . لكن ما مالمدهش أن مؤرخاً غير متحيز مثل < كايتاني > ينكرها أيضا ).

وأنا أقول لا وجه للدهشة لأن المؤرخ الذي يقدر موقفه ولا يتحيز لأحد يعترف بالحقيقة بغض النظر عن أي اعتبار آخر فإذا كان الأستاذ كايتاني وهو ذلك المؤرخ الإيطالي الكبير الذي يصدر المؤلفات الضخمة عن تاريخ الإسلام ينكر هذه القصة فما ذلك إلا أنه لم يرد أن يثبت إلا ما وصل إليه تحقيقه في هذه المسألة دون تحيّز.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد ضا
إقرء المزيد

الخميس، 17 يناير 2019

امتحانات قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم

Quraish exams God messenger

لم تكتف قريش بهذا كلّه بل أرادوا احراجه عليه الصلاة والسلام بالأسئلة فبعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء.

فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله ووصفا لهم وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاثة نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل. وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا الى الدهر الأول ما كامن أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجب. واسألوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغربها فما كان نبؤه. وسلوه عن الروح وما هي، فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقول. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد. قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء فإن أخبركم عنها فهو نبي وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم.

فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب. وعن رجل كان طوّافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها. وأخبرنا عن الروح وما هي؟

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن. فانصرفوا عنه فمكث رسول الله خمس عشرة ليلة لا يحدث الله اليه وحياً ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه. فشق على الرسول تأخير الوحي وما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته اياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه.

قال المفسرون: إن القوم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاث قال عليه السلام: أجيبكم عليها غداً ولم يقل ان شاء الله، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوماً ثم نزل قوله تعالى: ¤ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ¤ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ¤ والسبب في أنه لا بد من ذكر هذا القول - ان شاء الله - هو أن الإنسان اذا قال سأفعل الفعل الفلاني غداً لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد، ولم يبعد أيضاً لو بقي حيّاً أن يعوقه عن ذلك الفعل شيء من العوائق فإذا كان لم يقل ان شاء الله صار كاذباً في ذلك الوعد. والكذب منفّر وذلك لا يليق بالأنبياء عليهم السلام.

جاء جبريل من الله عز وجل بخبر ما سألوه عنه، فقال تعالى في شأن الفتية: ¤ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ¤ وقال فيما سألوه عنه في أمر الرجل الطوّاف: ¤ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ¤ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ¤ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ¤.

وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح: ¤ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ¤.

وقد أيد هذه الرواية الدكتور ولفنسون الإسرائيلي مدرس اللغات السامية بالجامعة المصرية ودار العلوم فقال في رسالته ( تاريخ اليهود في بلاد العرب ) صفحة 98 ما يأتي:
(وينفي بعض المستشرقين صحة هذه القصة الخطيرة دون أن يأتوا بدليل نطمئن إليه. والحق أن من العسير انكار رواية تاريخية كانت سبباً في نزول سورة الكهف والآيات الخاصّة بالروح وذي القرنين وعندنا دليل يحملنا على الإعتقاد بأن هذه الرواية من المحتمل أن تكون واقعية وهي أن في التلمود قصة مشهورة تشبه قصة أهل الكهف ومن هذه القصة أخذ أحبار اليهود التي وجّهوها للرسول بواسطة وفد قريش. ويؤيد هذه القصة ما ذهبنا اليه من أنه لم يكن بمكة أحد من اليهود، إذ لو وجد منهم في مكة ما أوفد قريش وفدهم إلى المدينة ليسألوا أحبار اليهود عن شأن النبي وإذا وجد منهم أحد فلا بد أن يكون غير عالم).

وأنزل الله عليه صلى الله عليه وسلم فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى: ¤ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ¤. أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت.

وأنزل عليه في قولهم: خذ لنفسك ما سألوه أن يأخذ لنفسه أن يجعل له جناناً وقصوراً وكنوزاً ويبعث ملكا يصدقه بما يقول ويرد عنه: ¤ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ¤ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ ¤.  أن تمشي في الأسواق وتلتمس المعاش ¤ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ¤.

وأنزل الله عليه فيما قال عبد الله بن أبي أمية: ¤ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا ¤ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ¤ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ¤ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ¤.

وأنزل عليه في قولهم: إنا قد بلغنا أنك انما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمان ولن نؤمن به أبداً: ¤ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ¤.

وأنزل عليه فيما قال أبو جهل وما همّ به: ¤ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ¤ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ¤ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى ¤ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ¤ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ¤ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ¤ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ¤ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ¤ فَلْيَدْعُ نَادِيَه ¤ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ¤ كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ¤.

وأنزل الله عليه فيما عرضوا عليه من أموالهم: ¤ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ¤
إقرء المزيد

الاثنين، 14 يناير 2019

ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش

What show on messenger Allah from Quraysh

قال عتبة بن ربيعة يوماً وهو جالس في نادي قريش والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلّمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبى الوليد فقم إليه فكلّمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يابن أخي انك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت به أحلامهم وعبت به آلهمتهم ودينهم وكفّرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبا منا بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يابن أخي ان كنت انما تري بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد مُلكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني قال: أفعل قال: بسم الله الرحمــــن الرحيــــم ¤ حم ¤ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ¤ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ¤ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ¤. ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد. ثم قال: " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك ".

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.

لقد ظن أبو الوليد في باديء الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ما يعرضه عليه من مال وجاه وملك فأظهر له استعداد قريش لمنحه كل ما يبغي على ألا يتعرض لدينهم ولا يدعوهم إلى ترك عبادة الأصنام. ظن ذلك لأن الإنسان ولا سيما الفقير المحتاج يطمع في المال وتغرّه أبّهة الملك فيتشبث بهما ويسعى إليهما ما وجد للسعي سبيلا ولو كان أبو الوليد عرض ذلك كله أو بعضه على غير النبي صلى الله عليه وسلم لاغتبط به واتفق مع قريش في الحال وأراح نفسه وأصحابه من العناء والإيذاء والتعذيب والتهديد بالقتل في كل وقت. ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن طامحاً إلى شيء من ذلك أصلا ولم يكن في وسعه أن يتنحى عن الدعوة إلى الإسلام مهما حاولت قريش صرفه عنها. ألا ترى أنه قال لعمّه أبو طالب: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في ما تركته ". وما ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره بنشر الدعوة حيث قال: ¤ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ¤ قُمْ فَأَنذِرْ ¤ وقال عزّ شأنه: ¤ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ¤. أي اصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. فكيف بعد هذا الأمر الإلهي تخور عزيمته وتفتر قوّته ولا يصبر على كل ما يصيبه من الإيذاء؟. بل كيف يغترّ بحطام الدنيا وينخدع لما تعرضه عليه قريش من ملك وجاه ومال.

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفض ما عرضوه عليه قالوا له: يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا فسل لنا ربّك الذي بعثك به فليسيّر عنّا هذه الجبال التي ضيّقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال: ما بهذا بُعِثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك. وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا. وما بُعِثت إليكم بهذا ولكن اللخ بعثني بشيراً ونذيراً - أو كما قال - فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا: فأسقط السماء علينا كِسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفععل. فقال رسول الله ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل. قالوا: يا محمد فما علم ربّك أنا تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منا ما جئتنا به، إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمــن وإنا لا نؤمن بالرحمــن أبداً فقد اعتذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك لرسول الله قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل ثم قال له: فوالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقي فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيم الله لو فعلت ذلك ما ضننت أني أصدّقك!! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً آسفاً لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه.

إن هذه المطالب التي طلبتها قريش من النبي صلى الله عليه وسلم مطالب مدهشة تدل على شدّة تعنتهم وعنادهم وعلى أنهم لا يريدون أن يؤمنوا إلا إذا شاهدوا المستحيلات ورأوا خوارق العادات ولذلك سألوا رسول الله أشياء عجيبة لا تخطر على البال بقصد تعجيزه والتشهير به فسألوه أن يغيّر طبيعة بلادهم فيسيّر الجبال ويفجر الأنهار ويحيي الموتى أو أن يجعل الله له الجنان ةالقصور ويعطيه الكنوز. فهذه مطالب عبّاد المادة عباد الأصنام. ثم ما أسخف ما سأله عبيد الله بن أبي أمية بن المغيرة الذي طلب أن يتخذ النبي عليه الصلاة والسلام سلما إلى السماء ويأتي بصك وأربع ملائكة يشهدون معه على صحة ما يقول. ولماذا كل هذا؟ ليؤمن عبد الله بن أبي أمية! هذا وقد قاسى الأنبياء صلوات الله عليهم الصعاب في سبيل هداية الكفّار الذين كانوا يرمونهم بالضلال والسفاهة والجنون والسحر. قال تعالى: ¤ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ¤ فبماذا أجابوه على ذلك؟ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ¤.

ولما دعى هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله رموه بالسفاهة والكذب. قال تعالى: ¤ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ¤ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ¤.

ولما أظهر موسى عليه السلام المعجزة وألقى العصا فانقلبت ثعبانا ادعوا أنه ساحر. قال تعالى: ¤ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ¤ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ¤. فالمتعنتون لا يؤمنون مهما رأوا من الآيات البينات وخوارق العادات: ¤ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ¤. فهل بعد ذلك مكابرة وإصرار على الكفر؟.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأحد، 13 يناير 2019

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الثالثة


المفاوضة الثالثة

أصرّ أبو طالب على الدفاع عن ابن أخيه قياماً بالواجب عليه نحو من تربى في كفالته ونشأ في بيته وعملاً بالمروءة. ولكنه مع ذلك بقي على دينه ولم يعتنق الإستلام لذلك صارت مهمّته شاقّة ومركزه حرجاً فأمامه قريش متعصّبة لدينها وقد أغضبها قيام محمد صلى الله عليه وسلم بنشر الإسلام ومحاربة الأصنام، وصاحب الدعوة لا يثنيه عن القيام بما أمر به سخرية ساخر أو اضطهاد مضطهد فلو أن أبا طالب أسلم لكان دفاعه أعظم وحجته أبلغ أمام العرب واحكم، ولكنه ظل على دين آبائه ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن عقيدة بل أداء لواجب القرابة.

وفي هذه المرة مشوا إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد. فقالوا: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد فتى قريش وأشعرهم وأجملهم فخذه فلك عقله ونصرته فاتخذه ولداً وأسلم لنا ابن أخيك هذا الذي سفه أحلامنا وخالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك نقتله فإنما رجل برجل. فقال: والله لبئس ما تسومونني ! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله لا يكون أبداً فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن مناف: لقد أنصفك قومك وما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً. فقال: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك، وكل قاريء يرى أن ما عرضته قريش على أبي طالب في غاية السّخف، لكنهم كانوا يتلمسون الحيل للخلاص من صاحب الدّعوة صلى الله عليه وسلّم بأي حال فلما يئسوا من إجابة طلبهم اشتدّت قريش على من أسلم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذّبونهم ويفتنونهم عن دينهم. وقام أبو طالب في بني هاشم فدعاهم إلى منع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوا إلى ذلك.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد