إبحث في المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات What. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات What. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 11 فبراير 2019

الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

Khazraj Aus what between them Jews

الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

الخزرج والأوس هما قبيلتان مشهورتان من العرب في يثرب وقد لقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار لما هاجر إليهم لأنهم هم الذين نصروه ومنعوه. وقد مر ذكرهم في بيعتي العقبة الأولى والثانية ولا شك أن الباحث يشتاق إلى الوقوف على تاريخ هاتين القبيلتين. وما كان بينهما وبين اليهود من علاقات وحروب لأن ذلك يساعده على فهم تاريخ سكان المدينة، وعلى موقف الأنصار واليهود إزاء الإسلام والمسلمين وليكون على بينة من أمرهم عند ذكرهم في الحوادث التي وقعت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

خزرج وأوس أخوان أبوهما حارثة بن ثعلبة العنقاء، بن عمرو مزيقياء بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وأم أوس وخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة ولذلك يقال لهما ابنا قيلة. وكان منهما قبيلتان مشهورتان عظيمتان من العرب في يثرب تذكران غالباً معاً فيقال الأوس والخزرج. لكن غلب اسم الخزرج وسموا أيضاً الأنصار لأنهم أول من قام بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وساعدوه في حروبه وآووه إلى أرضهم.

أما أصلهم فقد جاء في كتب السير، أنه لما خرج مزيقياء من اليمن بعد تفرق أهم سبأ، بسيل العرم ملك غسان بالشام ثم هلك وملك ابنه ثعلبة العنقاء. ولما هلك ملك بعده عمرو ابن أخيه جفنة فسخط مكانه ابنه حارثة وأجمع الرحلة إلى يثرب ونزل على يهود خيبر وسألهم الحلف والجوار على الأمان والمنعة فأعطوه من ذلك ما سأل وقيل: لما سار ثعلبة بن عمرو بن عامر في من معه اجتازوا يثرب فتخلف بها أوس وخزرج ابنا حارثة في من معهما فنزل بعضهم بضرار وبعضهم بالقرى مع أهلها ولم يكونوا أهل نعم ولا شاة لأن البلاد لم تكن بلاد مرعى ولا نخل لهم ولا زرع إلا الأعذاق اليسيرة فكانوا يحيون الأرض الموات ويزرعونها والأموال لليهود فلبثوا حيناً من الدهر على ذلك وهم في ضيق مالٍ وسوء حال، ثم قدم منهم مالك بن عجلان على أبي جبيلة الغساني فسأله عن حالهم فأخبره بضيق معاشهم. فقال: ما بالكم لا تغلبونهم كماغلبنا أهل بلدنا ووعده أنه يسير إليهم فينصرهم فرجع مالك وأخبر قومه بوعد أبي جبيلة فاستعدوا له، وقدم عليهم وخشي أن يتحصن منه اليهود فاخذ حائراً وبعث إليهم فمال خواصهم وحشمهم وأذن لهم في دخول الحائر ثم أمر جنوده فقتلوهم عن آخرهم. وقال للأوس والخزرج: إذا لم تتغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فلأحرقنكم ورجع إلى الشام. فأقاموا في عداوة مع اليهود ثم صنع لهم مالك بن عجلان طعاماً ودعاهم فامتنعوا خوفاً من الغدر فاعتذر إليهم مالك عن فعل أبي جبيلة ووعدهم أنه لا يقصد مثل ذلك فأجابوه وجاؤوا إليه فغدرهم وقتل 87 من رؤسائهم وفر الباقون وصورت البهود مالكاً في كنائسهم وبيعهم وكانوا يلعنونه كلما خلوا.

وذكر ابن الأثير رواية أخرى وهي أن اليهود كان لهم ملك إسمه الفيطون وكان ظالماً فاسقاً. وقد سن سنة أن كل امرأة تتزوج يدخل عليها قبل زوجها. فاتفق يوماً زفاف أخت مالك هذا فأتت مجلساً فيه أخوها وكشفت عن ساقها. فقال لها أخوها: قد أتيت بسوء. فقالت: الذي يراد بي الليلة أشد من هذا فثارت النخوة في رأسه واحتال على الدخول معها عند الملك في زي امرأة فلما خلا المكان قتله وفر إلى أبي جبيلة ولم يكن هذا ملكاً لغسان بل معظماً عند ملوك غسان وقد ذلوا بعد هذه الفعلة وخافوا ولجأ كل قوم إلى بطن من الأوس والخزرج يستنصرون بهم ويكونون لهم أحلافاً، وعظم شأن مالك وسوده الحيان. ولم يمض زمان طويل حتى أثرى الأوس والخزرج وامتنع جانبهم وقد تناسلوا وتكاثروا وتشعبوا عدة بطون فكان بنوا الأوس كلهم لمالك بن الأوس فمنهم خطة بن حنش ومالك وكلفة. ومن مالك معاوية وزيد. ومن زيد عبيد وضبيعة وأمية ومن كلفة جحجبا. ومن مالك بن الأوس الحارث وكعب ابنا الخزرج بن عمرو بن عوف بن مالك. فمن كعب بنو ظفر. ومن الحارث بن الخزرج حارثة وجشم. ومن جشم بنو عبد الأشهل. ومن مالك ابن الأوس أيضاً بنو سعد وبنو عامر ابنا مرة بن مالك فبنو جعد الجعادرة. ومن بني عامر عطية وأمية ووائل بنو زيد بن قيس بن عامر. ومن مالك بن الأوس أيضاً أسلم وواقف ابنا امريء القيس بن مالك. فهذه بطون الأوس كما ذكر ابن خلدون.

وأما الخزرج فخمسة بطون من كعب وعمرو وعوف وجشم والحارث.

1- فمن كعب بن الخزرج، بنو ساعدة بن كعب.

2- وعمرو بن الخزرج بنو النجار وهم: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو وهم شعوب كثيرة: بنو مالك وبنو عدي وبنو مازن وبنو دينار، كلهم بنو النجار. ومن مالك بن النجار، مبدول واسمه عامر وغانم وعمرو. ومن عمرو عدي ومعاوية.

3- ومن عوف بن الخزرج، بنو سام والقوافل وهما: عوف بن عمرو بن عوف. والقوافل: ثعلبة ومرضخة بنو قوقل بن عوف، بنو العجلان ابن زيد بن عصم بن سالم وبنو سالم بن عوف.

4- ومن جشم بن الخزرج بنو غضب بن جشم ويزيد بن جشم. فمن غضب بنو بياضة وبنو زريق وبنو عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب. ومن يزيد ابن جشم بنو سلمة بن سعد بن علي بن راشد بن ساردة بن زيد.

5- ومن الحاث بن الخزرج، بنو خدرة وبنو حرام ابني عوف بن الحارث بن الخزرج. فلما فعلوا ما فعلوه باليهود واعتزوا وكثروا تفرقوا في عالية يثرب وسافلتها وملكوا أمرها في حلفهم من جاورهم من قبائل مضر ثم قامت الفتن بين الحيين وكل منهم يستنصر بمن حالفه من مضر واليهود ورحل عمرو بن الإطنابة من الخزرج بن المنذر ملك الحيرة فملكه على الحيرة واتصلت الرياسة في الخزرج والحرب بينهم وبين الأوس.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الخميس، 7 فبراير 2019

القرآن وما نزل منه بمكة

quran came down from Mecca

القرآن وما نزل منه بمكة

عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة.

أما إقامته بالمدينة عشراً فهذا مما لا خلاف فيه. وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة لأنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح.

والقرآن منه مكي ومنه مدني: فأما المكي ما أنزل قبل الهجرة أي بمكة والمدني بعد الهجرة سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد حتى ولو كان بمكة أو عرفة.

والسفير بين الله تعالى ومحمد صلى الله عليه وسلم، جبريل عليه السلام. كما قال تعالى: ¤ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ¤ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ¤ وقال: ¤ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ¤ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ¤ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ¤ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ¤.

وقد تحداهم الله تعالى بأن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا. فالقرآن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم الباقية إلى يوم القيامة. وقد احتوى على العلوم الكثيرة والأخبار الصادقة من الغيوب الماضية والآتية والأحكام العادلة.

ونزل القرآن بلغة قريش وقريش خلاصة العرب. وللقرآن أسماء كثيرة منها: الفرقان، والتنزيل، والحديث الخ. ومعناه: القراءة. قال ابن عباس: القرآن والقراءة واحدة.

ويشتمل على 114 سورة، أطولها ( البقرة ) ونزل من القرآن بمكة اثنتان وثمانون سورة ونزل تمام بعضها بالمدينة وكان أول ما نزل على رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: " <إقرأ باسم ربك الذي خلق> ثم < ن والقلم وما يسترون >، ثم < والضحى >، ثم < يا أيها المزمل >، ثم فاتحة الكتاب، ثم < تبّت >، ثم < إذا الشمس كورت >، ثم < سبح اسم ربك الأعلى >، ثم < واليل إذا يغشى >، ثم < والفجر >، ثم < ألم نشرح لك صدرك >، ثم < الرحمان >، ثم < والعصر >، ثم < إنا أعطيناك الكوثر >، ثم < ألهاكم التكاثر >، ثم < أرأيت الذي يكذب بالدين >، ثم < ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل >، ثم < والنجم إذا هوى >، ثم < عبس وتولى >، ثم < إنا أنزلناه في ليلة القدر >، ثم < والشمس وضحاها >، ثم < والسماء ذات البروج >، ثم < والتين والزيتون >، ثم < لإيلاف قريش >، ثم < القارعة >، ثم < لا أقسم بيوم القيامة >، ثم < ويل لكل همزة >، ثم < والمرسلات عرفا >، ثم < ق والقرآن المجيد >، ثم < لا أقسم بهذا البلد >، ثم < والسماء والطارق >، ثم < اقتربت الساعة>، ثم < ص والقرآن ذي الذكر >، ثم الأعراف، ثم سورة الجن، ثم سورة يـس، ثم < تبارك الذي نزل الفرقان >، ثم حمد الملائكة، ثم سورة مريم، ثم سورة طـه، ثم < طـسـم >، ثم الشعراء، ثم < طـس > النمل، ثم < طـسـم > القصص، ثم سورة بني اسرائيل، ثم سورة يونس، ثم سورة هود، ثم سورة يوسف، ثم الحجر، ثم الأنعام، ثم الصافات، ثم لقمان، ثم < حـم > المؤمن، ثم < حـم > السجدة، ثم < حـم > عسق، ثم الزخرف، ثم سبأ، ثم تنزيل الزمر، ثم < حـم > الدخان، ثم < حـم > الشورى، ثم < حـم > الأحقاف، ثم والذاريات، ثم < هل أتـك حديث الغاشية>، ثم سورة الكهف، ثم سورة النحل، ثم < إنا أرسلنا نوحاً >، ثم سورة ابراهيم، ثم < اقترب للناس حسابهم >، ثم < قد أفلح المؤمنون >، ثم الرعد، ثم والطور، ثم < تبارك الذي بيده الملك >، ثم الحاقة، ثم سأل سائل، ثم < عم يتسائلون >، ثم < والنازعات غرقا >، ثم < إذا السماء انفطرت >، ثم سورة الروم، ثم العنكبوت.

وعن ابن عباس أنه قال: كان القرآن ينزل مفرقاً لا ينزل سورة سورة فما نزل أولها بمكة أثبتناها بمكة وإن كان تمامها بالمدينة وكذلك ما نزل بالمدينة وإنه كان يعرف فصل ما بين السورة والسورة إذا نزل بسم الله الرحمان الرحيــم فيعلمون أن الأولى انقضت وابتدىء أخرى.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الاثنين، 14 يناير 2019

ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش

What show on messenger Allah from Quraysh

قال عتبة بن ربيعة يوماً وهو جالس في نادي قريش والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلّمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبى الوليد فقم إليه فكلّمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يابن أخي انك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت به أحلامهم وعبت به آلهمتهم ودينهم وكفّرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبا منا بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يابن أخي ان كنت انما تري بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد مُلكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني قال: أفعل قال: بسم الله الرحمــــن الرحيــــم ¤ حم ¤ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ¤ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ¤ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ¤. ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد. ثم قال: " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك ".

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.

لقد ظن أبو الوليد في باديء الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ما يعرضه عليه من مال وجاه وملك فأظهر له استعداد قريش لمنحه كل ما يبغي على ألا يتعرض لدينهم ولا يدعوهم إلى ترك عبادة الأصنام. ظن ذلك لأن الإنسان ولا سيما الفقير المحتاج يطمع في المال وتغرّه أبّهة الملك فيتشبث بهما ويسعى إليهما ما وجد للسعي سبيلا ولو كان أبو الوليد عرض ذلك كله أو بعضه على غير النبي صلى الله عليه وسلم لاغتبط به واتفق مع قريش في الحال وأراح نفسه وأصحابه من العناء والإيذاء والتعذيب والتهديد بالقتل في كل وقت. ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن طامحاً إلى شيء من ذلك أصلا ولم يكن في وسعه أن يتنحى عن الدعوة إلى الإسلام مهما حاولت قريش صرفه عنها. ألا ترى أنه قال لعمّه أبو طالب: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في ما تركته ". وما ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره بنشر الدعوة حيث قال: ¤ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ¤ قُمْ فَأَنذِرْ ¤ وقال عزّ شأنه: ¤ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ¤. أي اصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. فكيف بعد هذا الأمر الإلهي تخور عزيمته وتفتر قوّته ولا يصبر على كل ما يصيبه من الإيذاء؟. بل كيف يغترّ بحطام الدنيا وينخدع لما تعرضه عليه قريش من ملك وجاه ومال.

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفض ما عرضوه عليه قالوا له: يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا فسل لنا ربّك الذي بعثك به فليسيّر عنّا هذه الجبال التي ضيّقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال: ما بهذا بُعِثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك. وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا. وما بُعِثت إليكم بهذا ولكن اللخ بعثني بشيراً ونذيراً - أو كما قال - فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا: فأسقط السماء علينا كِسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفععل. فقال رسول الله ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل. قالوا: يا محمد فما علم ربّك أنا تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منا ما جئتنا به، إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمــن وإنا لا نؤمن بالرحمــن أبداً فقد اعتذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك لرسول الله قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل ثم قال له: فوالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقي فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيم الله لو فعلت ذلك ما ضننت أني أصدّقك!! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً آسفاً لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه.

إن هذه المطالب التي طلبتها قريش من النبي صلى الله عليه وسلم مطالب مدهشة تدل على شدّة تعنتهم وعنادهم وعلى أنهم لا يريدون أن يؤمنوا إلا إذا شاهدوا المستحيلات ورأوا خوارق العادات ولذلك سألوا رسول الله أشياء عجيبة لا تخطر على البال بقصد تعجيزه والتشهير به فسألوه أن يغيّر طبيعة بلادهم فيسيّر الجبال ويفجر الأنهار ويحيي الموتى أو أن يجعل الله له الجنان ةالقصور ويعطيه الكنوز. فهذه مطالب عبّاد المادة عباد الأصنام. ثم ما أسخف ما سأله عبيد الله بن أبي أمية بن المغيرة الذي طلب أن يتخذ النبي عليه الصلاة والسلام سلما إلى السماء ويأتي بصك وأربع ملائكة يشهدون معه على صحة ما يقول. ولماذا كل هذا؟ ليؤمن عبد الله بن أبي أمية! هذا وقد قاسى الأنبياء صلوات الله عليهم الصعاب في سبيل هداية الكفّار الذين كانوا يرمونهم بالضلال والسفاهة والجنون والسحر. قال تعالى: ¤ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ¤ فبماذا أجابوه على ذلك؟ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ¤.

ولما دعى هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله رموه بالسفاهة والكذب. قال تعالى: ¤ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ¤ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ¤.

ولما أظهر موسى عليه السلام المعجزة وألقى العصا فانقلبت ثعبانا ادعوا أنه ساحر. قال تعالى: ¤ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ¤ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ¤. فالمتعنتون لا يؤمنون مهما رأوا من الآيات البينات وخوارق العادات: ¤ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ¤. فهل بعد ذلك مكابرة وإصرار على الكفر؟.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد