إبحث في المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قريش. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قريش. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 6 فبراير 2019

مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم


مؤامرة قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

لقد بلغ اضطهاد قريش للمسلمين أنهم اضطروهم إلى الهجرة ففريق هاجر إلى الحبشة ثم هاجر من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. ولما علمت قريش تتابع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة أخيراً إلى المدينة وقد صارت له شيعة وأنصار من غيرهم وأنه أجمع على اللحاق بهم، تشاوروا فيما يصنعون في أمره فاجتمعوا في ( دار الندوة ) وهي دار قصي بن كلاب وتشاوروا في حبسه أو إخراجه عنهم ( نفيه ) ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم شاباً جلداً فيقتلوه جميعاً فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً ويقال: إن هذا كان رأي أبي جهل. وهكذا نجد دائماً اسم أبي جهل وأبي لهب في كل مؤامرة ضد النبي صلى الله عليه وسلم وكل إيذاء واضطهاد كأن لا عمل لهما غير ذلك.

استعدوا لقتله عليه الصلاة والسلام من ليلتهم وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فأمر علياً أن ينام على فراشه ويتشح ببرده الأخضر وأن يتخلف عنه ليؤدي ماكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الودائع إلى أربابها فامتثل أمره فكان أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله ووقى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا نقول إن الأستاذ مرجوليوث اعتاد أن يصف أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم برجاحة العقل والنبل ولا يعدم أن يجد كتاباً يذكره كمصدر له من غير تحقيق فقد قال عن أبي جهل في كتابه محمد إنه حاز شهرة عظيمة في العقل حتى إنه دخل دار الندوة في سن الثلاثين في حين أنه لا يسمح لأحد من أهل مكة بدخولها، إلا إذا بلغ الأربعين. والحقيقة أنهم كانوا لا يدخلون فيها غير قرشي إلا إذا بلغ أربعين سنة بخلاف القرشي تمييزاً له وبما أن أبا جهل قرشي فكان يسوغ له دخول دار الندوة قبل الأربعين وليس ذلك لأنه شديد الذكاء راجح العقل بل لأنه كان قرشياً.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الخميس، 31 يناير 2019

تأثير خبر الإسراء في قريش

 Influence news Isra Quraysh

تأثير خبر الإسراء في قريش

لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الناس بما رآه فصدقه الصديق وكل من آمن به إيماناً قوياً وارتد ناس ممن آمن به. وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس فوصفه لهم وسألوه عن أشياء في المسجد فمثل بين يديه فجعل ينظر اليه ويصفه ويعد أبوابه لهم باباً باباً فيطابق ما عندهم. وسألوه عن عير لهم فأخبرهم بها وبوقت قدومها فكان كما أخبر.

ويروى أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع الى مكة من ليلته أخبر بمسراه أم هانيء بنت أبي طالب أخت علي رضي الله عنه وأنه يريد أن يخرج إلى قومه ويخبرهم بذلك لأنه ما أحب أن يكتم قدرة الله وما هو دليل على علو مقامه صلى الله عليه وسلم فتعلقت بردائه أم هانيء وقالت: أنشدك الله يابن عم ألا تحدث بها قريشاً فيكذبك من صدقك فضرب بيده ردائه فانتزعه منها. قالت: وسطع نور عند فؤاده كاد يخطف بصري فخررت ساجدة فلما رفعت رأسي فإذا هو قد خرج. قالت: فقلت لجاريتي نبعة وكانت حبشية اتبعيه وانظري ماذا يقول فلما رجعت أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى الى نفر من قريش في الحطيم وفيهم مطعم بن عدي وأبو جهل بن هشام فأخبرهم بمسراه.

ولما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر الإسراء على جمع من قريش أعظموا ذلك الإسراء وصار بعضهم يصفق وبعضه يضع يده عن رأسه تعجّباً - فلو كان الإسراء رؤيا منامية لما كانت مستغربة ولما أحدث تلك الضجة وكذبه المسلمون اللهم إلا من كان منهم قوي العقيدة ثابت الإيمان - قال مطعم بن عدي إن أمرك قبل اليوم كان أمراً يسيراً غير قولك اليوم، هو يشهد أنك كاذب. نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً. أتزعم أنك أتيته في ليلة واحدة؟ واللات والعزى لا أصدقك وما كان هذا الذي تقول قط. فقال أبو بكر رضي الله عنه يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته أنا شهد أن أنه صادق وفي رواية فسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك الى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى المقدس؟ قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: أتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة وروحة. فقال مطعم: يا محمد صف لنا بيت المقدس. فقال أبو بكر رضي الله عنه: صف لي يا رسول الله فإني قد جئته فجاءه جبريل بصورته ومثاله فجعل يقول: أشهد أنك رسول الله حتى أتى على أوصافه.

وهذه هي الأحاديث الواردة في صحيح البخاري الخاصة بالإسراء والمعراج: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لما كذّبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه ".

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الاثنين، 21 يناير 2019

سبب اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

reason of islam Omar bin khattab

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي وأمه حنتمة بنت هاشم. وُلد بعد الفيل بثلاثة عشرة سنة. رُوي عن عمر أنّه قال: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين ويوافق مولده 581 م. وكان مديد القامة. تاجراً مشهوراً من أشراف قريش. وكانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشاً إذا وقعت بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم بعثوه #سفيراً وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافراً ومفاخراً، ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديداً عليه وعلى المسلمين. وقد ذكرنا أنه كان يعذب جارية بني مؤمل لإسلامها فاشتراها أبو بكر وأعتقها.

إسلامه رضي الله عنه:

عن ابن عباس أنه قال: (أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا وامرأة، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين).
ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم أعزّ الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام " يعني أبا جهل.

وحكى عن سبب اسلامه فقال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من قريش فقال: أين تذهب يابن الخطاب أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك؟ قال: قلت: وما ذاك؟ قال: أُختك قد صبأت فرجعت مغضبا. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين فجئت حتى قرعت الباب. فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب. وكان القوم جلوساً يقرأون في صحيفة معهم. فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم فقامت المرأة ففتحت لي. فقلت: يا عدوة نفسها قد بلغني أنك صبأت. قال: فأرفع شيئاً في يدي فأضربها به فسال الدم فلما رأت الدم بكت ثم قالت: يابن الخطاب ما كنت فاعلاً فافعل فقد أسلمت. فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت. فقلت: ما هذا الكتاب؟ أعطنيه - وكان عمر كاتباً - فقالت: لا أعطيك، لست من أهله. أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهّر وهذا لا يمسّه إلا المطهرون. قال: لم أزل بها حتى أعطتنيه - بعد أن أغتسل - فإذا فيه ( بسم الله الرحمــن الرحيــم ). فلما مررت بالرحمان الرحيم ذُعرت ورميت بالصحيفة من يدي ثم رجعت إليّ نفسي فإذا فيها ¤ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ¤ قال: فكلما مررت باسن من أسماء الله عز وجل ذعرت ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت ¤ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ¤ حتى بلغت إلى قوله: ¤ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ¤ قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشاراً بما سمعوه مني وحمدوا الله عزّ وجلّ، ثم قالوا: يابن الخطاب أبشر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال: اللهم أغز الإسلام بأحد الرجلين إما عمرو بن هشام وإما عمر بن الخطاب. وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فأبشر. قال: فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: هو في بيت في أسفل الصفا وصفوه. فخرجت حتى قرعت الباب قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال وقد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افتحوا له فإنه إن يرد الله به خيراً يهده. ففتحوا لي وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرسلوه فأرسلوني فجلست بين يديه فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه، ثم قال: أسلم يابن الخطّاب اللهم اهده، قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله. فكبر المسلمون تكبيرة سُمِعت بطرق مكة.

وكان إسلام عمر في السنة السادسة من النبوّة، وكان في السادسة والعشرين من عمره بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام. وسماه رسول الله الفاروق لأنه لما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألسنا على الحق إن متنا أو حييتا؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، إنكم لعلى الحق إن متم أو حييتم. قال: فقلت: ففيم الإختفاء! والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفّين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها. فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق، وفرق بين الحق والباطل. قال عمر رضي الله عنه لما أسلمت تلك الليلة أيّ أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني أسلمت. قال: قلت: أبو جهل، فأقبلت حتى أصبحت حتى ضربت عليه بابه فخرج إليّ أبو جهل. فقال: مرحباً ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به. فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به فكان إسلام عمر ضربة قاضية على أبي جهل.

ولا شك أن عمر رضي الله عنه قد أسلم لما قرأ آي الذكر الحكيم مع أنه كان قبل إسلامه يعذب جارية بني مؤمل لإسلامها أشد العذاب بلا رحمة ولا شفقة ولا يتركها إلا إذا مل وكل، وهذا يدل على أنه كان شديد البغض للإسلام شديد التعصب لدينه، وقد تعدى على أخته وجشها. ولم يكن أحد يتصور أن صاحب هذا الخلق الشديد الحانق على الإسلام والمسلمين والمعتدي على الرجال والنساء بالتعذيب والضرب يسلم بمجرد قراءته آي القرآن. نعم لم يكن أحد يتصور ذلك، لكن لما كان القرآن ليس كلام البشر بل كلام الله سبحانه وتعالى كان له تأثير عجيب في النفوس، ولا بد أن سامعه برق قلبه مهما كان قاسياً. لذلك لم يسع عمر بن الخطاب هذا العربي الصميم إلا الإعتراف بأن ما تلاه هو كلام الله سبحانه وتعالى وليس في استطاعة البشر الإتيان بمثله فصدّق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب. وعمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين وقد ضرب المثل الأعلى بعدله وزهده.

قال عليّ رضي الله عنه: ما علمت أحداً هاجر إلا متخفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما همَّ بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهما، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها فطاف سبعاً ثم صلى ركعتين عند المقم ثم أتى حلقهم واحدة واحدة وقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكاه أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلحقني وراء هذا الوادي. فما تبعه أحد منهم.

ومن مناقب عمر بن الخطاب العظيمة رضي الله عنه أن الوحي نزل على وفق قوله في آيات كثيرة منها:
- آية أخذ الفداء عن أسارى بدر.
- آية تحريم الخمر.
- آية تحويل القبلة.
- آية أمر النساء بالحجاب.
- النهي عن القيام على القبر من مات من المنافقين.

وطُعِن عمر رضي الله عنه يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين ( ويوافق سنة 644 م ) وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح المشهور.

والذي طعن عمر: العلج أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة وهو قائم في صلاة الصبح حين أحرم بالصلاة طعنه بسكين ذات طرفين فضربه في كتفه وخاصرته وقيل ضربه ضربات. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام. والظاهر أن العلج هذا كان مجنوناً لأنه طعن مع عمر ثلاثة عشر رجلاً. توفي منهم سبعة وعاش الباقون، ولما أحس أنه مقتول قتل نفسه.

وكانت خلافته - رضي الله عنه - عشر سنين وخمسة أشهر وواحدا وعشرين يوماً وثبت في صحيح البخاري وغيره أنه أوا من جمع الناس لصلاة التراويح فجمعهم على أبي بن كعب بن قيس رضي الله عنه. وأجمع المسلمون في زمنه وبعده على استحبابها. وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه مر على المساجد في رمضان وفيها القناديل فقال: " نوّر الله على عمر قبره كما نوّر علينا مساجدنا ".

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الخميس، 17 يناير 2019

امتحانات قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم

Quraish exams God messenger

لم تكتف قريش بهذا كلّه بل أرادوا احراجه عليه الصلاة والسلام بالأسئلة فبعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء.

فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله ووصفا لهم وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاثة نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل. وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا الى الدهر الأول ما كامن أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجب. واسألوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغربها فما كان نبؤه. وسلوه عن الروح وما هي، فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقول. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد. قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء فإن أخبركم عنها فهو نبي وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم.

فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب. وعن رجل كان طوّافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها. وأخبرنا عن الروح وما هي؟

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن. فانصرفوا عنه فمكث رسول الله خمس عشرة ليلة لا يحدث الله اليه وحياً ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه. فشق على الرسول تأخير الوحي وما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته اياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه.

قال المفسرون: إن القوم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاث قال عليه السلام: أجيبكم عليها غداً ولم يقل ان شاء الله، فاحتبس الوحي خمسة عشر يوماً ثم نزل قوله تعالى: ¤ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ¤ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ¤ والسبب في أنه لا بد من ذكر هذا القول - ان شاء الله - هو أن الإنسان اذا قال سأفعل الفعل الفلاني غداً لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد، ولم يبعد أيضاً لو بقي حيّاً أن يعوقه عن ذلك الفعل شيء من العوائق فإذا كان لم يقل ان شاء الله صار كاذباً في ذلك الوعد. والكذب منفّر وذلك لا يليق بالأنبياء عليهم السلام.

جاء جبريل من الله عز وجل بخبر ما سألوه عنه، فقال تعالى في شأن الفتية: ¤ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ¤ وقال فيما سألوه عنه في أمر الرجل الطوّاف: ¤ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ¤ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ¤ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ¤.

وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح: ¤ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ¤.

وقد أيد هذه الرواية الدكتور ولفنسون الإسرائيلي مدرس اللغات السامية بالجامعة المصرية ودار العلوم فقال في رسالته ( تاريخ اليهود في بلاد العرب ) صفحة 98 ما يأتي:
(وينفي بعض المستشرقين صحة هذه القصة الخطيرة دون أن يأتوا بدليل نطمئن إليه. والحق أن من العسير انكار رواية تاريخية كانت سبباً في نزول سورة الكهف والآيات الخاصّة بالروح وذي القرنين وعندنا دليل يحملنا على الإعتقاد بأن هذه الرواية من المحتمل أن تكون واقعية وهي أن في التلمود قصة مشهورة تشبه قصة أهل الكهف ومن هذه القصة أخذ أحبار اليهود التي وجّهوها للرسول بواسطة وفد قريش. ويؤيد هذه القصة ما ذهبنا اليه من أنه لم يكن بمكة أحد من اليهود، إذ لو وجد منهم في مكة ما أوفد قريش وفدهم إلى المدينة ليسألوا أحبار اليهود عن شأن النبي وإذا وجد منهم أحد فلا بد أن يكون غير عالم).

وأنزل الله عليه صلى الله عليه وسلم فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى: ¤ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ¤. أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت.

وأنزل عليه في قولهم: خذ لنفسك ما سألوه أن يأخذ لنفسه أن يجعل له جناناً وقصوراً وكنوزاً ويبعث ملكا يصدقه بما يقول ويرد عنه: ¤ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ¤ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ ¤.  أن تمشي في الأسواق وتلتمس المعاش ¤ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ¤.

وأنزل الله عليه فيما قال عبد الله بن أبي أمية: ¤ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا ¤ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ¤ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ¤ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ¤.

وأنزل عليه في قولهم: إنا قد بلغنا أنك انما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمان ولن نؤمن به أبداً: ¤ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ¤.

وأنزل عليه فيما قال أبو جهل وما همّ به: ¤ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ¤ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ¤ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى ¤ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ¤ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ¤ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ¤ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ¤ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ¤ فَلْيَدْعُ نَادِيَه ¤ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ¤ كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ¤.

وأنزل الله عليه فيما عرضوا عليه من أموالهم: ¤ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ¤
إقرء المزيد

الاثنين، 14 يناير 2019

ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش

What show on messenger Allah from Quraysh

قال عتبة بن ربيعة يوماً وهو جالس في نادي قريش والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلّمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبى الوليد فقم إليه فكلّمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يابن أخي انك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت به أحلامهم وعبت به آلهمتهم ودينهم وكفّرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبا منا بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يابن أخي ان كنت انما تري بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد مُلكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني قال: أفعل قال: بسم الله الرحمــــن الرحيــــم ¤ حم ¤ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ¤ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ¤ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ¤. ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد. ثم قال: " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك ".

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.

لقد ظن أبو الوليد في باديء الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ما يعرضه عليه من مال وجاه وملك فأظهر له استعداد قريش لمنحه كل ما يبغي على ألا يتعرض لدينهم ولا يدعوهم إلى ترك عبادة الأصنام. ظن ذلك لأن الإنسان ولا سيما الفقير المحتاج يطمع في المال وتغرّه أبّهة الملك فيتشبث بهما ويسعى إليهما ما وجد للسعي سبيلا ولو كان أبو الوليد عرض ذلك كله أو بعضه على غير النبي صلى الله عليه وسلم لاغتبط به واتفق مع قريش في الحال وأراح نفسه وأصحابه من العناء والإيذاء والتعذيب والتهديد بالقتل في كل وقت. ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن طامحاً إلى شيء من ذلك أصلا ولم يكن في وسعه أن يتنحى عن الدعوة إلى الإسلام مهما حاولت قريش صرفه عنها. ألا ترى أنه قال لعمّه أبو طالب: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في ما تركته ". وما ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره بنشر الدعوة حيث قال: ¤ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ¤ قُمْ فَأَنذِرْ ¤ وقال عزّ شأنه: ¤ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ¤. أي اصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. فكيف بعد هذا الأمر الإلهي تخور عزيمته وتفتر قوّته ولا يصبر على كل ما يصيبه من الإيذاء؟. بل كيف يغترّ بحطام الدنيا وينخدع لما تعرضه عليه قريش من ملك وجاه ومال.

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفض ما عرضوه عليه قالوا له: يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا فسل لنا ربّك الذي بعثك به فليسيّر عنّا هذه الجبال التي ضيّقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال: ما بهذا بُعِثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك. وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا. وما بُعِثت إليكم بهذا ولكن اللخ بعثني بشيراً ونذيراً - أو كما قال - فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا: فأسقط السماء علينا كِسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفععل. فقال رسول الله ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل. قالوا: يا محمد فما علم ربّك أنا تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منا ما جئتنا به، إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمــن وإنا لا نؤمن بالرحمــن أبداً فقد اعتذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك لرسول الله قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل ثم قال له: فوالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقي فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيم الله لو فعلت ذلك ما ضننت أني أصدّقك!! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً آسفاً لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه.

إن هذه المطالب التي طلبتها قريش من النبي صلى الله عليه وسلم مطالب مدهشة تدل على شدّة تعنتهم وعنادهم وعلى أنهم لا يريدون أن يؤمنوا إلا إذا شاهدوا المستحيلات ورأوا خوارق العادات ولذلك سألوا رسول الله أشياء عجيبة لا تخطر على البال بقصد تعجيزه والتشهير به فسألوه أن يغيّر طبيعة بلادهم فيسيّر الجبال ويفجر الأنهار ويحيي الموتى أو أن يجعل الله له الجنان ةالقصور ويعطيه الكنوز. فهذه مطالب عبّاد المادة عباد الأصنام. ثم ما أسخف ما سأله عبيد الله بن أبي أمية بن المغيرة الذي طلب أن يتخذ النبي عليه الصلاة والسلام سلما إلى السماء ويأتي بصك وأربع ملائكة يشهدون معه على صحة ما يقول. ولماذا كل هذا؟ ليؤمن عبد الله بن أبي أمية! هذا وقد قاسى الأنبياء صلوات الله عليهم الصعاب في سبيل هداية الكفّار الذين كانوا يرمونهم بالضلال والسفاهة والجنون والسحر. قال تعالى: ¤ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ¤ فبماذا أجابوه على ذلك؟ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ¤.

ولما دعى هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله رموه بالسفاهة والكذب. قال تعالى: ¤ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ¤ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ¤.

ولما أظهر موسى عليه السلام المعجزة وألقى العصا فانقلبت ثعبانا ادعوا أنه ساحر. قال تعالى: ¤ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ¤ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ¤. فالمتعنتون لا يؤمنون مهما رأوا من الآيات البينات وخوارق العادات: ¤ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ¤. فهل بعد ذلك مكابرة وإصرار على الكفر؟.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأحد، 13 يناير 2019

عذاب المسلمين ع أيدي قريش

Torture of Muslims


أخذت قريش تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتؤذي من آمن به حتى عذبوا جماعة من المستضعفين عذاباً شديداً يدل على مبلغ تعصبهم وقسوتهم.

فمن الذين عُذِّبوا جل اسلامهم بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر. وكان أبوه من سبي الحبشة وأمه حمامة سبية أيضاً وهو من مولدي الشراة وكنيتة أبو عبد الله فصار بلال لأمية بن خلف الجمحي فكان إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ثم يأمر بالصّخرة العظيمة فتلقى على صدره ويقول: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فكان بلال وهو في هذه الحال يقول: " أحد، أحد " فرآه أبو بكر يعذب، فقال لأمية بن خلف الجمحي ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال: أنت أفسدته فأنقذه. فقال: عندي غلام على دينك أسود أجلد من هذا أعطيكه به قال: قبلت، فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذ بلالاً فأعتقه. وقيل: اشتراه أبو بكر بخمس أوراقٍ. أما أمية بن خلف فقتله بلال، واشترك معه معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وحبيب بن أساف.
قال ابن اسحاق: أما ابنه عليّ فقتله عمار ابن ياسر وحبيب بن أساف وذلك في موقعة بدر.
 
ومن المعذّبين عمار بن ياسر وأبو اليقظان العنسيّ وهو بطن بن مراد. وعمار هذا أسلم هو وأبوه وأمه وأسلم قديماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم بعد بضعة وثلاثين رجلاً. أسلم هو وصهيب في يوم واحد. وكان ياسر حليفاً لبني مخزوم فكانوا يخرجون عماراً وأباه وأمه إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم في بحرّ الرمضاء فمرّ بهم النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: " صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنّة " فمات ياسر في العذاب وأغلظت امرأته سميّة القول لأبي جهل فطعنها في فرجها بحربة فماتت!! وهي أول شهيدة في الإسلام وشددوا العذاب على عمار في الحرّ على صدره تارة وبوضع الصخر في شدة الحرّ على صدره تارة أخرى. فقالوا: لا نتركك حتى تسب محمداً وتقول في اللات والعزى خيراً. ففعل فتركوه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي فقال: " ما وراءك "؟ فقال: شر يا رسول الله كان الأمر كذا وكذا فقال: " فكيف تجد قلبك "؟ قال: أجده مطمئنّاً بالإيمان فقال: " يا عمّار إن عادوا فعد. فأنزل الله تعالى: ¤ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ¤.

ومنهم خبَّاب بن الأرث وكان إسلامه قديما، قيل سادس ستة قبل دخول رسول الله دار الأرقم فأخذه الكفّار وعذّبوه عذاباً شديداً فكانوا يعرّونه ويلصقون ظهره بالرمضاء، ثم بالرضف وهي الحجارة المحماة بالنار ولووا رأسه فلم يجبهم إلى شيء مما أرادوا وهاجر وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونزل الكوفة ومات سنة سبع وثلاثين. وقال علي رضي الله عنه: رحمه الله ان خبّاباً أسلم راغبا وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً وابتغى في جسمه ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.

ومنهم صهيب بن سنان الرومي كنَّاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبا يحيى " قبل أن يولد له. وكان ممن يعذب في الله فعذب عذابا شديدا فلما أراد الهجرة منعته قريش فافتدى نفسه منهم بماله أجمع وجعله عمر بن الخطاب عند موته يصلي بالناس إلى أن يستخلف بعض أهل الشورى.

ومنهم عامر بن فهيرة مولى الطفيل بن عبد الله. وكان الطفيل أخا عائشة لأمها أم رومان أسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكان من المستضعفين يعذّب في الله فلم يرجع عن دينه واشتراه أبو بكر وأعتقه. ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار مهاجرين أمر أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة أن يروح بغنم أبي بكر عليهما وكان يرعاها وهاجر معهما إلى المدينة يخدمهما. وشهد عامر بدراً وأُحُداً وقتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة.

ومنهم لبيبة جارية بني مؤمل بن حبيب بن كعب أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يعذّبها حتى تفتن ثم يدعها ويقول إني لم أدعك إلا سآمة فتقول كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم فاشتراها أبو بكر فأعتقها.

هذه أمثلة ذكرها مؤلف كتاب رسول الله ليتّضح للقاريء اشتداد العذاب على هؤلاء المساكين رجالاً ونساء.
ومما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الإيذاء ما قاله ابن عمر كما في البخاري: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله فلفَّ ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فجاء أبو بكر فأخذ بمنكبه فدفعه ه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية ثم قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله!

وفي رواية البخاري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه. فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه وثيت النبي صلى الله عليه وسلم لله ساجداً فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك فانطلق منطلق إلى فاطمة فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً حتى ألقتهم عليهم تسبهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم عليك بقريش ". ثم سمى فقال: " اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد " وقد سقطوا جميعهم صرعى يوم بدر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الثالثة


المفاوضة الثالثة

أصرّ أبو طالب على الدفاع عن ابن أخيه قياماً بالواجب عليه نحو من تربى في كفالته ونشأ في بيته وعملاً بالمروءة. ولكنه مع ذلك بقي على دينه ولم يعتنق الإستلام لذلك صارت مهمّته شاقّة ومركزه حرجاً فأمامه قريش متعصّبة لدينها وقد أغضبها قيام محمد صلى الله عليه وسلم بنشر الإسلام ومحاربة الأصنام، وصاحب الدعوة لا يثنيه عن القيام بما أمر به سخرية ساخر أو اضطهاد مضطهد فلو أن أبا طالب أسلم لكان دفاعه أعظم وحجته أبلغ أمام العرب واحكم، ولكنه ظل على دين آبائه ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن عقيدة بل أداء لواجب القرابة.

وفي هذه المرة مشوا إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد. فقالوا: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد فتى قريش وأشعرهم وأجملهم فخذه فلك عقله ونصرته فاتخذه ولداً وأسلم لنا ابن أخيك هذا الذي سفه أحلامنا وخالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك نقتله فإنما رجل برجل. فقال: والله لبئس ما تسومونني ! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله لا يكون أبداً فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن مناف: لقد أنصفك قومك وما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً. فقال: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك، وكل قاريء يرى أن ما عرضته قريش على أبي طالب في غاية السّخف، لكنهم كانوا يتلمسون الحيل للخلاص من صاحب الدّعوة صلى الله عليه وسلّم بأي حال فلما يئسوا من إجابة طلبهم اشتدّت قريش على من أسلم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذّبونهم ويفتنونهم عن دينهم. وقام أبو طالب في بني هاشم فدعاهم إلى منع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوا إلى ذلك.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

السبت، 12 يناير 2019

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الثانية

Quraish negotiation Abu Talib in ordered Messenger Allah

المفاوضة الثانية

ثم لما تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكّروا في مفاوضة أبي طال مرة أخرى. فمشوا إليه وقالوا: يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنما قد اشتهيناك أن تنهي ابن أخيك فلم تفعل. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آلهتنا وآبائنا، وتسفيه أحلامنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا، ثم انصرفوا عنه. ومعنى ذلك أنهم هدّدوا أبا طالب في هذه المرّة وأظهروا له العداوة. فعظم عليه فراق قومه وعداوتهم له، ولم تطب نفسه بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذلانه فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه ما قالت قريش، وقال له: أبق على نفسك وعليّ ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمّه قد خذله وضعف عن نصرته. فقال له: " يا عمّاه والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته " ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام. فلما ولى ناداه أبو طالب فأقبل عليه وقال: ( اذهب يابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا ).

فتدبّر أيها القاريء في قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القوّة المعنوية العظيمة أمام شعب معادٍ معاند وشدّة تمسّكه بمبدئه إلى النهاية !!

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الأولى

Quraish-negotiation-Abu-Talib-in-ordered-Messenger-Allah-First

المفاوضة الأولى

لما رأت قريش أن أبا طالب قد قام دون النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلّمه لهم، مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البَختري بن هشام، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل السهمي ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج. وغيرهم - فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفّه عنّا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه. فقال لهم أبو طالب قولا جميلا وردّهم ردًّا رقيقاً، فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هو عليه. هذه هي المفاوضة الأولى، لكنها لم تثمر شيئاً، إذ ظل الرسول يدعو إلى عبادة الله كما كان.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الخميس، 10 يناير 2019

إظهار الإسلام سنة 213 ميلادية

Show-islam-year-213

أمر الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه، وأن يدعو الناس إليه ويأمرهم به. وكان بين إخفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتاره به وبين أمر الله تعالى إياه بإظهار دينه ثلاث سنين من بعثه، ثم قال الله تعالى: ¤ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ¤. أي لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة. وقال تعالى: ¤ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ¤ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  ¤. فصعد رسول الله على الصفا، فقال: " يا معشر قريش. فقالت محمد على الصفا يهتف. فأقبلوا واجتمعوا، فقالوا: مالك يا محمد؟ قال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم صدّقتموني "؟. قالوا: نعم أنت عندنا غير متهم وما جرّبنا عليك كذباً قط. قال: " فإني نذير لكم بين يديّ عذاب شديد. يا بني عبد المطّلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة - حتى عدد الأفخاذ من قريش - إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا : لا إله إلا الله. فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ¤ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ¤. السورة كلها. فلما سمع أبو لهب قوله: ¤ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ¤. إن كان ما يقول محمد حقا افتديت منه بمالي وولدي فنزل: ¤ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ¤. وكان أبو لهب إذا سأله وفد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه ساحر ومجنون لينصرفوا عنه قبل لقائه. وقد أغضبت هذه السورة أبا لهب فأظهر شدة العداوة وصار متهماً فلم يقبل قوله في رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه. وروي عن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق بقول: " أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا "، ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد أدمى عقبيه. ويقول: لا تطيعوه فإنه كذّاب، فقلت من هذا؟ قالوا: محمد وعمّه أبو لهب. أما امرأته فهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمّة معاوية فكانت أيضا في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترمي الشّوك في طريقه.

وعن الزّهري أنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام سرا وجهرا فاستجاب لله من شاء من أحداث الرجال وضعفاء الناس حتى كثر من آمن به وكفار قريش غير منكرين لما يقول. فكان إذا مرّ عليهم في مجالسهم يشيرون إليه أنه غلام بني عبد المطلب يكلم من السماء فكان ذلك حتى عاب آلهتهم التي يعبدونها وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا على الكفر فشنقوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وعادوه.

وعن ابن عتبة أنه قال: لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ومن معه وفشا أمره بمكة ودعا بعضهم بعضاً فكان أبو بكر يدعو ناحية سراً. وكان سعيد بن زيد مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر وحمزة بن عبد المطلب وأبو عبيدة بن الجراح يدعون علانية، فغضبت قريش من ذلك وظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد والبغي وأشخص به منهم رجال فبادوه وتستر آخرون وهم على ذلك الرأي إلا أنهم ينزهون أنفسهم عن القيام والإشخاص برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أهل العداوة والمباداة لرسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين يطلبون الخصومة والجدل: أبو جهل بن هشام وأبو لهب بن عبد المطّلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن قيس بن عدي وهو ابن الغليظة، والوليد بن المغيرة وأبي بن خلف، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والعاص بن وائل، والنضر بن الحارث ومنبه بن الحجاج وزهير بن أبي امية والسائب بن صيفي بن عابد، والأسود بن عبد الأسد، والعاص بن سعيد بن العاص، والعاص بن هاشم، وعقبة بن أبي معيط، وأبو الأصدي الأذلي، والحكم بن أبي العاص وعدي بن الحمراء. وذلك أنهم كانوا جيرانهم. والذين كانت عدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط. وكان عتبة وشيبة إبنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب أهل عداوة ولكنهم لم يشخصوا بالنبي صلى الله عليه وسلم نحو قريش ولم يسلم منهم أحد إلا أبو سفيان.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد