إبحث في المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات him. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات him. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 20 يناير 2019

إسلام حمزة رضي الله عنه

Islam Hamzah Allah be him

حمزة بن عبد المطلب، وأمه هالة بنت وهب، وهو عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب. وكان رضي الله عنه أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وهو سيد الشهداء وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة. أسلم سنة ست من النبوة وكنيته أبو عمارة وكان شجاعاً، محارباً، قوي الجسم، طويل القامة.

وكان سبب اسلامه أن أبا جهل اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مولاة لعبد الله ابن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ثم انصرف عند فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنصٍ له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له فكان إذا رجع من قنصه لم يرجع الى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادٍ من قريش الا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعزّ قريش وأشدّها شديكمة وكان يومئذٍ مشركاً على دين قومه. 

فلما مرّ بالمولاة وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الى بيته قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفاً؛ وجده هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد. فاحتمل حمزة الغضب فخرج سريعاً لا يقف على أحدٍ كما يصنع، يريد الطواف بالبيت معدالأبي جهل أن يقع به. فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه به ضربةً جشّه بها جشّة منكرة وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت. فقال حمزة وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك. أنا أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذي يقول الحق فوالله لا أنزع فامنعوني ان كنتم صادقين. 

قال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبّاً قبيحاً وثبت حمزة على إسلامه. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه به ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وأبلى فيها بلاءا عظيماً مشهوراً. وقاتل يوم بدر بسيفين وشهد أحدا فقتل بها يوم السبت النصف من شوال من السنة الثالثة من الهجرة بعد أن قتل من المشركين قبل أن يُقتل أحداً وثلاثين نفساً وبينما كان يقاتل إذ عثر عثرة وقع فيها على ظهره فانكشف الدرع عن بطنه فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله. 

ومثل به المشركون وبجميع قتلى المسلمين وجعل نساء المشركين، هند وصواحباتها يجدعن أنوف المسلمين وآذانهم ويبقرن بطونهم، وبقرت هند بطن حمزة رضي الله عنه فأخرجت كبده فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو دخل بطنها لم تمسها النار " وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآه قتيلا. ومع ذلك عفا رسول الله عن هند يوم الفتح. ودفن عند أُحد في موضعه وكان عمره تسعاً وخمسين سنة وكان حمزة أول شهيد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأربعاء، 9 يناير 2019

الصدق و قوة الإيمان وشجاعة أبو بكر الصديق رضي الله عنه

Honesty-strength-faith-courage-Abu-Bakr

عبادة الأصنام مع أنها واضحة البطلان فإن العرب كانوا متمسكين بها تمسكا شديدا لرسوخها في نفوسهم منذ زمن طويل فلا يطيقون سماع من يعيبها أو يطعن فيها بل لا يقبلون إرشاد ناصح يخاطبهم بالحسنى. ويناقشهم بالعقل والبرهان. فإذا قيل لهم كيف تعبدون الحجارة التي لا تنفع ولا تضر، ولا تبصر ولا تسمع، ولا تعلم من يعبدها ومن لا يعبدها، ثارت ثائرتهم. وقالوا: هذا ما وجدنا عليه آباءنا واعتدوا على أعزّ الناس لديهم وأشرفهم وأعقلهم وأسهلهم أخلاقاً. فلم يكن من الحكمة وأصالة الرأي أن يجهر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القليلون بالإسلام ويؤدوا شعائرهم الدينية أمام أمّة بأسرها متعصبة لدينها الوثني تعصّبا أعمى.

وقد أدرك بعض أفراد بعقلهم الثاقب وفطرتهم السليمة أن قومهم في خطأ مبين فمنهم من مات ةهو منكر لعبادة الأصنام قبل الإسلام. ومنهم من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بلغته رسالته كسلمان الفارسي أو عنما دعا رسول الله إلى اتباع الدين القويم كأبي بكر، ومن أسلم بدعائه وغيرهم ولم يبالوا بما يصيبهم من سخط قومهم وإيذائهم مع ما يعلمونه من قلة عدد المؤمنين في باديء الأمر.

فمما وقع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه من الأذية ما ذكره بعضهم كما في السيرة الحلبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل دار الأرقم ليعبد الله هو ومن معه من أصجابه سِرّاً ألحّ أبو بكر رضي الله عنه في الظهور فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر إنا قليل ". فلم يزل به حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ودعا إلى رسول الله. فهو أول خطيب دعا إلى الله تعالى، فثار المشركون على أبي بكر رضي الله عنه وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضرباً مبرّحاً، ووطىء أبو بكر بالأرجل وضرب ضربا شديداً. وصار عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين وحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه فجاءت بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزله ولا يشكون في موته. ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة. ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار. ثم تكلم وقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعذلوه وصار يكرر ذلك، فقالت أمه: والله ما لي علم بصاحبك. فقال: إذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه فخرجت إليها وقالت لها أن تسأل عن محمد بن عبد الله. فقالت: لا أعرف محمدا ولا أبا بكرا. ثم قالت: تريدين أن أخرج معك؟ قالت: نعم. فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته صريعا فصاحت وقالت: إن قوما نالوا هذا منك لأهلُ فسق. وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم. فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت له: هذه أمّك تسمع. قال: فلا عين عليك منها: أي أنها لا تفشي سرّك. قالت: سالم هو في دار الأرقم. فقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت له أمّه فأمهلناه حتى إذ هدأت الرجل وسكن الناس خرجنا يتكيء عليَّ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرقّ له رقّة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك. فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللهما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي وهذه أمي برة بولدها فعسى الله أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت.

لا شك أن المسلمين في ذلك الوقت كانوا في خطر شديد. فقد كان لا يهدأ للمشركين بال إلا إذا أساءوا إليهم ولذلك كان الإستخفاء في غاية الحكمة. وبقي المسلمون ميتخفين في دار الأرقم حتى كملوا أربعين رجلا، وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطّاب. فلما كملوا به أربعين خرجوا وأظهروا إسلامهم.

تلك شجاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقوة إيمانه وصدق يقينه. لقد وقف أمام المشركين وجهاً لوجه ولم يبال بكثرتهم وعرّض حياته الغالية للخطر ليدعوهم إلى الحق، إلى عبادة الله الواحد القهّار ونبذ الشرك وخلع الوثنية فأصيب بشر ما يصاب به إنسان وكاد يُقضَى عليه، فلما أفاق كان أول ما تلفظ به السؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم ترتح نفسه وتطمئن حتى رآه بعينيه سالما معافى. فأين هذا من الذين يخالفون عقائدهم ويميلون مع الأهواء وينضمون إلى من يأنسون فيه القوة ويعينون على الباطل لمتاع مؤقت لا يلبث أن يزول؟

لو كان المسلمون في باديء أمرهم متهاونين مذبذبين لما ثبتت دعائم الإسلام وصار قويّ الأركان، متين البنيان، بل لقُبِر في مهده، لكنه ارتفع على كواهل رجال أقوياء صادقين أدهشوا العالم بأعمالهم وجهادهم، حتى خضعت لهم أمم الأرض! فبمثل عمل هؤلاء فليهتد المصلحون.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الجمعة، 4 يناير 2019

قصة إسلام أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه

story Islam Abu Bakr

هو عبد لله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لُؤي القرشي التيمي.

ولد أبو بكر الصديق سنة 573 ميلادية وهو أول الخلفاء وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وفي الهجرة والخليفة بعده. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمان بن عوف وابن مسعود وابن عمر واين عباس وحذيفة وزيد بن ثابت وغيرهم.

وقد اختلف في اسمه فقيل: كان عبد الكعبة فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله. وقيل إن أهله سموه عبد الله ولا يبعد ذلك لأن التسمية بعبد الله كانت موجودة قبل الإسلام ويقال له عتيق أيضا. واختلفوا في السبب الذي قيل له لأجله ( عتيق ) فقال بعضهم: قيل له عتيق لحسن وجهه وجماله. قاله الليث بن سعد وجماعة معه. وقال الزبير بن بكار وجماعة معه إنما قيل له عتيق لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقيل: إنما سني عتيقا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " أنت عتيق الله من النار " فيومئذٍ سمي عتيقا وقيل له: ( الصدّيق ) أيضا. قالت عائشة رضي الله عنها: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان قد أمن وصدق وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك. أصدقه بخبر السماء غدوه أو روحة. فلذلك سُمِّي أبو بكر الصديق. وقال أبو محجن الثقفي:

وسميت صديقا وكل مهاجر ....... سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت الى الإسلام والله شاهد ....... وكنت جبيسا في العريش المشهر

وكان رضي الله عنه صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهو أصغر منه سنا بثلاث سنوات، وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته وقيل: كُنِّيَ بأبي بكر لإبتكاره الخصال الحميدة فلما أسلم آزر النبي صلى الله عليه وسلم في نصر دين الله تعالى بنفسه وماله وكان له لما أسلم أربعون ألف درهم أنفقها في سبيل الله مع ما كسب من التجارة. قال الله تعالى: ¤ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ¤ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ¤ وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ¤. وقد أجمع المفسرون على أن المراد منه أبو بكر.

قال الفخر الرازي ردًّا على من قال إنها نزلت في حق علي رضي الله عنه: ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلن: أقيم الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآلة أبو بكر.

وتقريرها: أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق فإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد هو أبو بكر فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود إلى أن قال: لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إما أبو بكر أو عليّ ولا يمكن حمل هذه الآية على عليّ بن أبي طالب فتعين حملها على أبي بكر. وإنما قلنا: لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " وهذا الوصف لا يصدق على عليّ بن أبي طالب لأنه كان في تربية النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه وكان الرسول منعما عليه نعمة يجب جزاؤها. أما أبو بكر فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عليه نعمة دنيوية بل أبو بكر كان ينفق على الرسول صلى الله عليه وسلم. بل كان للرسول عليه السلام عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين إلا أن هذا لا يجزي لقوله تعالى: ¤ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ ¤ والمذكور هاهنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزى فعلمنا أن هذه الآية لا تصلح لعلي رضي الله عنه.

كان أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محببا فيهم مؤلفا لهم وكان إليه الأشناق في الجاهلية كان إذا حمل شيئا صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه فلما جاء الإسلام سبق اليه وأسلم على يده جماعة لمحبتهم له وميلهم إليه حتى إنه أسلم على يده خمسة من العشرة وقد ذهب جماعة إلى أنه أول من أسلم.
قال الشعبيّ: سألت ابن عباس من أول من أسلم؟ قال: أبو بكر أما سمعت قول حسان:

إذا تذكرت شجواّ من أخي ثقة ....... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعل
خير البرية أتقاها وأعدلها ....... بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده ....... وأول الناس قدما صدّق الرسلا

وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر وكان تاجرا ذو ثروة طائلة وكريما حسن المجالسة عالما بتعبير الرؤيا، ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام. قال ابن اسحاق: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من بي بكر رضي الله عنه ما عتم عنه حين ذكته له " أي أنه بادر به.

ونزل فيه وفي عمر: ¤ وَشَاوِرهُم فِي الأَمر ¤. فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين بل بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر معه الى المدينة تاركا عياله وأولاده وأقام معه في الغار ثلاثة أيام. قال تعالى: ¤ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ¤.

ولما كانت الهجرة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أذن لي في الخروج قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام. قال تعالى: ¤ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ¤.

وقد دلت هذه الآية على فضيلة أبي بكر لأن رسول الله لولا ثقته التامة بأبي بكر لما استصحبه في هجرته وايتخلصه لنفسه وكل من سوى أبي بكر فارق رسول الله وأنه تعالى سماه ثاني اثنين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويجله ويعرّف أصحابه مكانه ويثني عليه في وجهه. واستخلفه في الصلاة وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان بالحديبية وخيبر وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك وحجة الوداع.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا "، ودفع أبو بكر عقبة بن أبي معيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند الكعبة خنقا شديداً، وقال: يا قوم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. وأعتق أبو بكر سبعة كانوا يعذبون في الله تعالى منهم: بلال وعامر بن فهيرة. وكان أبو بكر إذ مُدِحَ قال: "اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون". وهذا من تواضعه رضي الله عنه، ومما يدل على قوة ارادة أبي بكر ما قاله أبو السفر وهو: دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا: يا خليفة رسول الله ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إليّ. قالوا: ما قال؟ قال: " إني فعال لما أريد ".

قال عمر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي. فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وجاء أبو بكر بكل ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا.

ومن أخبار تواضعه رضي الله عنه أنه كان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائحنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني أرجو ألا يغيرني مادخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكام يحلب لهم، فربما قال للجارية: أتحبين أن أرغي لك أو أن أصرخ؟ فأي ذلك قالت فعل.

والآن يقولون: إننا في عصر المدينة والحرية والديمقراطية ومع هذا تجد الموظف الصغير يأنف أن يكلم الناس أو يقضي حوائجهم.

وعن سالم بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد مرضه أغمي عليه فلما أفاق قال: مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس. قال ثم أغمي عليه فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف فلو أمرت غيره. فقال: أقيمت الصلاة؟ فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف فلو أمرت غيره. قال: إنكن صواحبات يوسف مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس. ثم أفاق فقال: أقيمت الصلاة؟ قالوا نعم. قال: ادعوا لي انسانا أعتمد عليه فجاءت بريرة وإنسان آخر فانطلقوا يمشون به وإن رجليه تخطان في الأرض، فأجلسوه إلى جنب أبي بكر فذهب أبو بكر يتأخر فحبسه حتى فرغ الناس فلما توفي - قال: وكانوا قوما أميين لم يكن فيهم نبي قبله - قال عمر: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا. فقالوا له: اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه يعني أبي بكر. فذهبت فوجدته في المسجد قال: فأجهشت أبكي. قال: لعل نبي الله توفي. قلت: إن عمر قال: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا. قال: فأخذ بساعدي ثم أقبل يمشي حتى دخل فأوسعوا له فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر نفسه حتى استبان أنه توفي. فقال: إنك ميت وإنهم ميتون، قالوا: يا صاحب رسول الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فعلموا أنه كما قال.

قال ابن اسحاق: توفي أبو بكر رضي الله عنه يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ( 23 أغسطس سنة 634 ) وصلى عليه عمر بن الخطاب.
توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر بالمدينة وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وكان أبو بكر رجلا أبيض نحيفا خفيف العارضين أحنى معروق الوجه غائر العينين، ناتيء الجبهة، عاري الأشاجع، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال وأسلم أبواه. له ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة رضي الله عنهم. واختلف في سبب موته. فقيل: إنه مات مسموما. وقيل: انه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما ثم مات بعدها، وقيل: إنه مات كمداً على رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم.

هذه ترجمة حياة أبي بكر أثبتناها هنا بمناسبة إسلامه وما كان له من الشأن العظيم والقدر الرفيع، ولأنه قد بذل المجهود في نصرة الرسول فدل بذلك على غاية الوفاء ومنتهى الإخلاص. ولم يكن - رضي الله عنه - رجلا ضعيفا كما ظن بعض المستشرقين، بل كان شجاعا وكان مع شجاعته مخلصا لا يبالي بالأهوال، ويحتمل المشقات كما يستفاد من سيرته، فبقي مع رسول الله ولم يهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين عند اشتداد أذى الكفار على المسلمين، ولما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة معه بكى من فرط السرور واشترك معه في غزواته، وهو ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد. ولما توفي النبي فقد الناس صوابهم وقال عمر: من قال ان محمدا مات ضربته بسيفي هذا. أما أبو بكر فملك شعوره ولم يفقد وقع المصاب الجليل صوابه، فقال: إنك ميت وإنهم ميتون. وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر وفاة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كانت هذه مواقف ضعف وخلال وهن فأين مواطن القوة؟ ولم نذكر هنا أعماله الجليلة في خلافته.

يقول هؤلاء المستشرقون إنه كان يصدق الرسول تصديقا أعمى. وإنه كان كالنساء سريع البكاء. وهو قول عجيب، فكيف لا يصدق الرسول وهو يعلم أنه صادق لا يكذب، بل هو أعلم خلق الله بصدقه عليه الصلاة والسلام لصحبته له تلك الصحبة الطويلة. إن تصديقه لرسول الله في كل ما قال نتيجة الثقة به ولأجل هذه الثقة الميتة كان لا يتردد في التصديق به، ولأجلها تحمل معه الشدائد والإضطهادات، ولأجلها أنفق أمواله كلها وهذا شأن العاقل الذي إذا ثبت يقينه على أساس قوي لم يبال بما يصادفه من عقبات في سبيل نصرة الحق. أما بكاؤه عند سماع القرآن فهذا أظهر دليل على إخلاصه وتوقد ذكاؤه وقوة فهمه لكلام الله عزّ وجلّ إذ بقدر الفهم يكون التأثر، وقد أجمعوا على كثرة علمه ووفور عقله وفهمه وزهده وتواضعه.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد