إبحث في المدونة

الاثنين، 7 يناير 2019

قصةّ قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

story of killing Ali bin Abi talib

انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبدالرحمان بن ملجم المرادي وهو من حمير وعداده في بني مراد وهو حليف بني جلبة، من كندة، والبرك بن عبدالله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، واجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة عليّ بن أبي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحون العباد منهم. فقال ابن ملجم: أنا لكم بعليّ، وقال البرك: أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن يكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه وتواثقوا ألا ينكص منهم رجل عن صاحبه الذي سمِّي له ويتوجّه له حتى يقتله أو يموت دونه. فحددوا ليلة سبع عشرة من رمضان ثم توجّه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه. 

فقدم عبدالرحمان بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريد وكان يزورهم ويزورونه فزار يوما نفراً من بني تيم الرباب فرأى امرأة منهم يقال لها: قطام بنت صخبة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب وكان عليّ قتل أباها وأخاها بالنهروان فأعجبته فخطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تسمي لي. فقال: لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك. فقالت: ثلاثة آلاف وقتل عليّ بن بي طالب. فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل عليّ وقد أعطيتك ما سألت.

ولقي بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه أن يكون معه فأجابه الى ذلك وظل ابن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليّاً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى طلع الفجر. فقال له الأشعث: فضحك الصبح فقام ابن ملجم الكندي وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا في مقابل السدة التي يخرج منها عليّ. فلما خرج اعترضه الرجلان فضرب الإثنان بسيفيهما، فأما سيف بن ملجم فأصاب جبهتخ إلى قرنه ووصل إلى دماغه وكان صد سن سيفه شهرا. وأما سيف شبيب فوقع في الطاق فسمع عليّ يقول لا يفوتنكم الرجل وشد المناس عليهما من كل جانب.

فأما شبيب فأفلت وأخذ بن ملجم فأُدخل على عليّ فقال: " أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا ولي دمي عفو أوقصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند ربّ العالمين " ضرب علي رضي الله عنه في السابع من شهر رمضان سنة أربعين  ( 24 يناير سنة 661 ). واستشهد بعد ذلك بثلاثة أيام ودفن بالكوفة ليلة الأحد التاسع عشر من شهر رمضان وغسله الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر. وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الأصح، وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.

قال عليّ الباقر: كان عليّ آدم اللون مقبل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع ربعة لا يخضب. وقال أبو إسحاق السبيعي: رأيته أبيض الرأس واللحية وكان ربما خضب لحيته وقال أبو رجاء العطاري: رأيت عليّاً ربعة ضخم البطن كبير اللحية قد ملأت صدره أصلع شديد الصلع. 

هذا وقد اقتصرت في في تاريخ حياة عليّ رضي الله عنه على هذا القدر الضروري لأن المقام لا يسع أكثر من ذلك 

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الأحد، 6 يناير 2019

قصّة إسلام عليّ بن أبي طالب

story of Islam Ali bin Abi talib

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولد سنة 600 - 601 بعد الميلاد.

وأم عليّ فاطمة بنت أسد بن هاشم وكنيته أبو الحسن وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة وأبو السِبطين. وهو أول هاشمي ولد من هاشميين. والخليفة الرابع وأول خليفة بني هاشم وكان حين أسلم لم يبلغ الحلم. وقال ابن اسحاق إنه كان يومئذ ابن عشر سنين وكان في كفالة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه لأن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب كثير العيال قليل المال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً وضمه إليه وأخذ العباس حتى أسلم واستغنى عنه.

وسبب اسلامه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه خديجة رضي الله عنها وهما يصليان سواء. فقال: ما هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دين الله الذي اصطفاه لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له وإلى عبادته والكفر باللات والعزى ". فقال علي رضي الله عنه: هذا أمر لم أسمع به من قبل اليوم فست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب. وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: " يا عليّ إذا لم تسلم فاكتم هذا ". فمكث علي ليلته ثم ان الله تعالى هداه إلى الإسلام فأصبح غاديا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم على يديه، وكان علي رضي الله عنه يخفي إسلامه خوفا من أبيه إلى أن اطلع عليه وأمره بالثبات عليه فأظهره حينئذٍ. أما أبو طالب فلم يرض أن يفارق دين آبائه، وعن أنس بن مالك قال: بُعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه ليلة خرج مهاجرا وقال: إن قريشا لم يفقدوني ما رأوك فاضطجع فراشه. وسيأتي ذكر ذلك عند الكلام عن الهجرة. ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بع قضاء ديون رسول الله وردّ الودائع التي كانت عنده. فلما وصل اليها كانت قدماه قد ورمتا من المشي وكانتا تقطران دماً فاعتنقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى رحمة لما أصاب قدميه وتفل في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد رضي الله عنه. وشهد بدراً وغيرها من المشاهد، ولم يشهد غزوة تبوك لا غير لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله. وأصابتع يوم أحد ستة عشرة ضربة. وكان علي رضي الله عنه مع شجاعته الفائقة عالماً.

واستخلف عليّ رضي الله عنه، وبويع بالمدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان وذلك في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ( 24 يونيه 656 ).

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

السبت، 5 يناير 2019

كلمات أبو بكر الصديق رضي الله عنه المأثورة

impressed words abu bakr


كان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه يقول:
" أليس الكياسة التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة إن العبد إذا دخلة العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة. ليتني كنت شجرة يعضد ثم تؤكل. وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد ".

وقال: " لا خير في قول لا يراد به وجه الله ولا في مال لا ينفق منه في سبيل الله. ولا في من يغلب جهله حمله. ومن لا يخاف في الله لومة لائم ".

" وجدنا الكرم في التقوى والغناء في اليقين والشرف في التواضع ".
" من مقت نفسه في ذات الله، أمنه الله من مقته ".
" فاو بالمروءة من امتطى التغافل، وهان على القربى من عرف باللجاج ".
" إياكم والفخر، وما فخر من خلق من تراب ثم اليه يعود ثم يأكله الدود ".
" لا خير في خير بعده نار، ولا شر في شر بعده الجنة ".

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الجمعة، 4 يناير 2019

قصة إسلام أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه

story Islam Abu Bakr

هو عبد لله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لُؤي القرشي التيمي.

ولد أبو بكر الصديق سنة 573 ميلادية وهو أول الخلفاء وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وفي الهجرة والخليفة بعده. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمان بن عوف وابن مسعود وابن عمر واين عباس وحذيفة وزيد بن ثابت وغيرهم.

وقد اختلف في اسمه فقيل: كان عبد الكعبة فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله. وقيل إن أهله سموه عبد الله ولا يبعد ذلك لأن التسمية بعبد الله كانت موجودة قبل الإسلام ويقال له عتيق أيضا. واختلفوا في السبب الذي قيل له لأجله ( عتيق ) فقال بعضهم: قيل له عتيق لحسن وجهه وجماله. قاله الليث بن سعد وجماعة معه. وقال الزبير بن بكار وجماعة معه إنما قيل له عتيق لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقيل: إنما سني عتيقا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " أنت عتيق الله من النار " فيومئذٍ سمي عتيقا وقيل له: ( الصدّيق ) أيضا. قالت عائشة رضي الله عنها: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان قد أمن وصدق وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك. أصدقه بخبر السماء غدوه أو روحة. فلذلك سُمِّي أبو بكر الصديق. وقال أبو محجن الثقفي:

وسميت صديقا وكل مهاجر ....... سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت الى الإسلام والله شاهد ....... وكنت جبيسا في العريش المشهر

وكان رضي الله عنه صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهو أصغر منه سنا بثلاث سنوات، وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته وقيل: كُنِّيَ بأبي بكر لإبتكاره الخصال الحميدة فلما أسلم آزر النبي صلى الله عليه وسلم في نصر دين الله تعالى بنفسه وماله وكان له لما أسلم أربعون ألف درهم أنفقها في سبيل الله مع ما كسب من التجارة. قال الله تعالى: ¤ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ¤ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ¤ وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ¤. وقد أجمع المفسرون على أن المراد منه أبو بكر.

قال الفخر الرازي ردًّا على من قال إنها نزلت في حق علي رضي الله عنه: ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلن: أقيم الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآلة أبو بكر.

وتقريرها: أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق فإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد هو أبو بكر فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود إلى أن قال: لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إما أبو بكر أو عليّ ولا يمكن حمل هذه الآية على عليّ بن أبي طالب فتعين حملها على أبي بكر. وإنما قلنا: لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " وهذا الوصف لا يصدق على عليّ بن أبي طالب لأنه كان في تربية النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه وكان الرسول منعما عليه نعمة يجب جزاؤها. أما أبو بكر فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عليه نعمة دنيوية بل أبو بكر كان ينفق على الرسول صلى الله عليه وسلم. بل كان للرسول عليه السلام عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين إلا أن هذا لا يجزي لقوله تعالى: ¤ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ ¤ والمذكور هاهنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزى فعلمنا أن هذه الآية لا تصلح لعلي رضي الله عنه.

كان أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محببا فيهم مؤلفا لهم وكان إليه الأشناق في الجاهلية كان إذا حمل شيئا صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه فلما جاء الإسلام سبق اليه وأسلم على يده جماعة لمحبتهم له وميلهم إليه حتى إنه أسلم على يده خمسة من العشرة وقد ذهب جماعة إلى أنه أول من أسلم.
قال الشعبيّ: سألت ابن عباس من أول من أسلم؟ قال: أبو بكر أما سمعت قول حسان:

إذا تذكرت شجواّ من أخي ثقة ....... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعل
خير البرية أتقاها وأعدلها ....... بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده ....... وأول الناس قدما صدّق الرسلا

وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر وكان تاجرا ذو ثروة طائلة وكريما حسن المجالسة عالما بتعبير الرؤيا، ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الإسلام. قال ابن اسحاق: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من بي بكر رضي الله عنه ما عتم عنه حين ذكته له " أي أنه بادر به.

ونزل فيه وفي عمر: ¤ وَشَاوِرهُم فِي الأَمر ¤. فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يشاوره في أموره كلها ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين بل بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر معه الى المدينة تاركا عياله وأولاده وأقام معه في الغار ثلاثة أيام. قال تعالى: ¤ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ¤.

ولما كانت الهجرة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أذن لي في الخروج قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام. قال تعالى: ¤ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ¤.

وقد دلت هذه الآية على فضيلة أبي بكر لأن رسول الله لولا ثقته التامة بأبي بكر لما استصحبه في هجرته وايتخلصه لنفسه وكل من سوى أبي بكر فارق رسول الله وأنه تعالى سماه ثاني اثنين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويجله ويعرّف أصحابه مكانه ويثني عليه في وجهه. واستخلفه في الصلاة وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان بالحديبية وخيبر وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك وحجة الوداع.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا "، ودفع أبو بكر عقبة بن أبي معيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند الكعبة خنقا شديداً، وقال: يا قوم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. وأعتق أبو بكر سبعة كانوا يعذبون في الله تعالى منهم: بلال وعامر بن فهيرة. وكان أبو بكر إذ مُدِحَ قال: "اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون". وهذا من تواضعه رضي الله عنه، ومما يدل على قوة ارادة أبي بكر ما قاله أبو السفر وهو: دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا: يا خليفة رسول الله ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إليّ. قالوا: ما قال؟ قال: " إني فعال لما أريد ".

قال عمر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي. فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وجاء أبو بكر بكل ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا.

ومن أخبار تواضعه رضي الله عنه أنه كان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائحنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني أرجو ألا يغيرني مادخلت فيه عن خلق كنت عليه، فكام يحلب لهم، فربما قال للجارية: أتحبين أن أرغي لك أو أن أصرخ؟ فأي ذلك قالت فعل.

والآن يقولون: إننا في عصر المدينة والحرية والديمقراطية ومع هذا تجد الموظف الصغير يأنف أن يكلم الناس أو يقضي حوائجهم.

وعن سالم بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد مرضه أغمي عليه فلما أفاق قال: مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس. قال ثم أغمي عليه فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف فلو أمرت غيره. فقال: أقيمت الصلاة؟ فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف فلو أمرت غيره. قال: إنكن صواحبات يوسف مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس. ثم أفاق فقال: أقيمت الصلاة؟ قالوا نعم. قال: ادعوا لي انسانا أعتمد عليه فجاءت بريرة وإنسان آخر فانطلقوا يمشون به وإن رجليه تخطان في الأرض، فأجلسوه إلى جنب أبي بكر فذهب أبو بكر يتأخر فحبسه حتى فرغ الناس فلما توفي - قال: وكانوا قوما أميين لم يكن فيهم نبي قبله - قال عمر: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا. فقالوا له: اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه يعني أبي بكر. فذهبت فوجدته في المسجد قال: فأجهشت أبكي. قال: لعل نبي الله توفي. قلت: إن عمر قال: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا. قال: فأخذ بساعدي ثم أقبل يمشي حتى دخل فأوسعوا له فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر نفسه حتى استبان أنه توفي. فقال: إنك ميت وإنهم ميتون، قالوا: يا صاحب رسول الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فعلموا أنه كما قال.

قال ابن اسحاق: توفي أبو بكر رضي الله عنه يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ( 23 أغسطس سنة 634 ) وصلى عليه عمر بن الخطاب.
توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر بالمدينة وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وكان أبو بكر رجلا أبيض نحيفا خفيف العارضين أحنى معروق الوجه غائر العينين، ناتيء الجبهة، عاري الأشاجع، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال وأسلم أبواه. له ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة رضي الله عنهم. واختلف في سبب موته. فقيل: إنه مات مسموما. وقيل: انه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما ثم مات بعدها، وقيل: إنه مات كمداً على رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم.

هذه ترجمة حياة أبي بكر أثبتناها هنا بمناسبة إسلامه وما كان له من الشأن العظيم والقدر الرفيع، ولأنه قد بذل المجهود في نصرة الرسول فدل بذلك على غاية الوفاء ومنتهى الإخلاص. ولم يكن - رضي الله عنه - رجلا ضعيفا كما ظن بعض المستشرقين، بل كان شجاعا وكان مع شجاعته مخلصا لا يبالي بالأهوال، ويحتمل المشقات كما يستفاد من سيرته، فبقي مع رسول الله ولم يهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين عند اشتداد أذى الكفار على المسلمين، ولما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة معه بكى من فرط السرور واشترك معه في غزواته، وهو ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد. ولما توفي النبي فقد الناس صوابهم وقال عمر: من قال ان محمدا مات ضربته بسيفي هذا. أما أبو بكر فملك شعوره ولم يفقد وقع المصاب الجليل صوابه، فقال: إنك ميت وإنهم ميتون. وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر وفاة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كانت هذه مواقف ضعف وخلال وهن فأين مواطن القوة؟ ولم نذكر هنا أعماله الجليلة في خلافته.

يقول هؤلاء المستشرقون إنه كان يصدق الرسول تصديقا أعمى. وإنه كان كالنساء سريع البكاء. وهو قول عجيب، فكيف لا يصدق الرسول وهو يعلم أنه صادق لا يكذب، بل هو أعلم خلق الله بصدقه عليه الصلاة والسلام لصحبته له تلك الصحبة الطويلة. إن تصديقه لرسول الله في كل ما قال نتيجة الثقة به ولأجل هذه الثقة الميتة كان لا يتردد في التصديق به، ولأجلها تحمل معه الشدائد والإضطهادات، ولأجلها أنفق أمواله كلها وهذا شأن العاقل الذي إذا ثبت يقينه على أساس قوي لم يبال بما يصادفه من عقبات في سبيل نصرة الحق. أما بكاؤه عند سماع القرآن فهذا أظهر دليل على إخلاصه وتوقد ذكاؤه وقوة فهمه لكلام الله عزّ وجلّ إذ بقدر الفهم يكون التأثر، وقد أجمعوا على كثرة علمه ووفور عقله وفهمه وزهده وتواضعه.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الخميس، 3 يناير 2019

أول من آمن بسيدنا محمد رسول الله

first believ master Mohamed Messenger allah


أوّل من آمن بسيدنا محمد رسول الله من الرجال البالغين الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان عليّ، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال بن رباح الحبشي.

وقال أهل الأثر وعلماء السير: إن أوّل الناس إيمانا به صلى الله عليه وسلم على الإطلاق خديجة رضي الله عنها وصلى رسول الله معها آخر يوم الإثنين وهو أول يوم من صلاته وكانت الصلاة وقتئذٍ ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.

وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبلغ الحلم حين أسلم وكان ابن عشر سنين وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه يطعمه ويقوم بأمره وهو أصغر إخوته وسيأتي سبب اسلامه رضي الله عنه في ترجمة حياته.

وأول من أسلم من النساء بعد خديجة أم أَيمن وأم الفضل زوج العباس وأسماء بنت أبي بكر وأم جميل فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب.
إقرء المزيد

الأربعاء، 2 يناير 2019

فترة نزل الوحي

revelation period

جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهو يحدث عن فترة الوحي فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: " بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زملوني زملوني فأنزل الله تعالى: ¤ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ¤ قُمْ فَأَنْذِرْ ¤ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ¤ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ¤ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ¤ فحمي الوحي وتتابع.

قال ابن اسحاق: ابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان بقول الله تعالى: ¤ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ¤
وقال الله تعالى: ¤ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ¤ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ¤ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ¤ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ¤ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ¤.
وقال الله تعالى: ¤ حم ¤ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ¤ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ¤ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ¤ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ¤.
وقال تعالى: ¤ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ¤ وذلك ملتقى الرسول صلى الله عليه وسلموالمشركين ببدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان.

ولما فتر الوحي حزن النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس الجبال فكلما أوفى على ذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه. وكانت فترة الوحي ثلاث سنبن كما جزم به ابن إسحاق ثم نزل عليه جبريل بسورة الضحة يقسم له ربّه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به، ما ودّعه وما قلاه، فقال الله تعالى: ¤ وَالضُّحَى ¤ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ¤ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ¤ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ¤ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ¤ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ¤ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ¤ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ¤. يعرفه الله أنه ما قطعه قطع المودّع وما أبغضه.

روي أن الوحي لما تأخّر عنه قال المشركون إن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت ردّاً عليهم: ¤ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ¤. فإنها باقية خالصة من الشوائب وهذه فانية مشوبة بالمضار.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الثلاثاء، 1 يناير 2019

النبي محمد رسول الله الأمي

illiterate prophet Mohamed Messenger


أول ما نزل على سيدنا محمد رسول الله ¤ إِقرَأ ¤ كما صح ذلك عن عائشة رضي الله عنها وري ذلك عن أبي موسى الأشعري، وعبيد بن عمير. قال النووي: وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف. وقوله:" ما أنا بقاري " أي أني أمّي لا أقرأ الكتب. قال الزجاج: الأمي الذي على خلقة الأمة لم يتعلم الكتاب فهو على جبلته. وفي التنزيل العزيز: ¤ وّمِنهُم أُمِّيُّونَ لاَ يَعلَمُونَ الكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيّ ¤. فمعنى الأميين في هذه الآية الذين لا معرفة لهم بقراءة ولا كتابة.

قال أبو إسحاق: معنى الأمي المنسوب إلى ما عليه جبلة أمه أي لا يكتب وهو في أنه لا يكتب أمي لأن الكتابة مكتسبة فكأنه نسب إلى ما يولد عليه. أي ما ولدته أمه عليه. وكانت الكتابة في العرب من أهل الطائف تعلموها من رجل من أهل الحيرة وأخذها أهل الحيرة عن أهل الأنبار. وفي الحديث: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " أراد على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فيهم على جبلتهم الأولى. وفي الحديث: " بعثت إلى أمة أمية " قيل: للعرب الأميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة. هذا معنى كلمة ( أمي ) في اللغة العربية وهكذا كان يفهمها العرب.

قال تعالى: ¤ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ¤ وقال تعالى: ¤ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ ¤. قال الفخر الرازي في تفسيره: ( فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرأون والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك، فلهذا السبب وصفه بكونه أميّاً.
قال أهل التحقيق: وكونه أميا بهذا 
 التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه:

الأول: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوما مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته. والخطيب من العرب اذا ارتجل خطبة ثم أعادها فإنه لا بد أن يزيد بالقليل والكثير. ثم انه عليه الصلاة والسلام - مع أنه ما كان يكتب وما كان يقرأ - يتلو عليهم كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير فكان ذلك من المعجزات، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ¤ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ¤.

الثاني: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما في أنه ربما ق طالع الأولين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة. فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة كان ذلك من المعجزات، وهذا هو المراد من قوله تعالى: ¤ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ  إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ¤. 

الثالث: أن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعي. فعدم تعلمه يدل على نقصان كبير في الفهم. ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وأعطاه من الحقائق ما لم يصل اليه أحد من البشر ومع تلك القوة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلا وفهما فكان الجميع بين هاتين الحالتين المتضادتين جاريا مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجار مجرى المعجزات.

وقد طالع صاحب كتاب رسول الله ما كتبه الذين تعرضوا لهذا البحث من الإفرنج الذين ترجموا حياة النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت تخبطا مدهشا فقد بحث الأستاذ نولدكه الألماني في كتابه ( تاريخ القرآن ) هل كان النبي يعرف القراءة والكتابة؟ فلم يجزم بشيؤ بيد أنه زعم أن لفظه (أمي) المذورة في القرآن الكريم لا تدل على أنه يجهل القراءة والكتابة بل تفيد أنه لا يعرف الأسفار القديمة.

والثابت من التاريخ والقرآن والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف القراءة والكتابة بالرغم من أن بعض المستشرقين يحاولون أن يثبتوا عكس ذلك من غير برهان. إنما هم يستنتجون بعقولهم. ليتعجبوا ما شاؤوا من أميته ولكن يجب عليهم أن يعترفوا بأنه ما كان يعرف القراءة والكتابة. وجاء في قاموس الإسلام:
" ومع ذلك فمن المحقق أنه ( النبي صلى الله عليه وسلم ) كان يتظاهر بأنه يجهل القراءة والكتابة كي يجعل إنشاء القرآن معجزاً ".
فهل بعد ذلك تعسف! لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب لتحدث بذلك أصحابه أو أعداؤه، ولما أمكن أن يكون سرا مكتوما طول حياته خصوصا أن جميع صفاة النبي وأعماله قد روتها الصحابة بالتفصيل حتى خصوصياته في منزله مع نسائه. على أن المنصفين من مؤرخي الإفرنج وفلاسفتهم قد اعترفوا بأميته فمن ذلك ما كتبه المسيو سيديو في كتابه ( تاريخ العرب ) الجزء الأول، صفحة 59 من الطبعة الثانية.
"ولما كلن ( رسول الله صلى الله علسيه وسلم ) غير متعلم مثل أبناء وطنه كان لا يعرف القراءة ".

وقال الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل في كتاب الأبطال الذي عني بترجمته الأستاذ محمد السباعي رحمه الله: 
"  ثم لا ننسى شيئا آخر هو أنه لم يتلق دروسا على أستاذ أبدا وكانت صناعة الخط حديثة العهد إذ ذاك في بلاد العرب. ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمدا لم يكن يعرف الخط والقراءة وكل ما تعلمه عيشة الصحراء وأحوالها ".

وجاء في كتاب الإسلام تأليف الكونت هنري دي كاستري ترجمة المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا:
" إن محمدا ما كان ليقرأ أو ليكتب بل كان - كما وصف نفسه مرارا - نبيا أميا، وهو وصف لم يعلرضه فيه أحد من معاصريه، ولا شك أنه يستحيل على في الشرق أن يتلقى العلم بحيث لا يعلمه الناس لأن حياة الشرقيين كلها ظاهرة للعيان، على أن القراءة والكتابة كانت معدومة في ذلك الحين من تلك الأقطار..."

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميا احتاج الى كتاب يكتبون له وقد ذكرهم الحافظ أبو القاسم في تاريخ دمشق، وروى ذلك كله بأسانيده وهم:
أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعثمان وعلي، والزبير، وأبيّ بن كعب بن قيس وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن مسلمة، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص وأخوه خالد بن سعيد وثابت بن قيس، وحنظلة بن الربيع، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الأرقم، وعبدالله بن زيد بن عبد ربه، والعلاء بن عتبة، والمغيرة بن شعبة، والسجل، وزاد غيره شرحبيل بن حسنة. قالوا: وكان أكثرهم كتابة زيد بن ثابت ومعاوبة رضي الله عنهم.

وسيأتي في غزوة أحد أن العباس كان بمكة وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يخبرهم بجمع قريش وخروجهم، فلما جاء كتاب العباس وكان أرسله مع رجل من بني غفار، فك رسول الله صلى الله عليه وسلم ختمه ودفعه لأبيّ بن كعب فقرأ عليه فاستكتم أبيّاُ.

فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة لما لما دفع كتابا يحوي أخبارا سرية إلى أحد لقراءته.
قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : كنت جار رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ فكتبت له.

وذكر ابن ماكولا أن تميم بن جراسة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه أنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فأسلمنا وسألناه أن يكتب لنا كتابا فيه شروط فقال: اكتبوا ما بدا لكم ثم ائتوني به فسألناه في كتابنا أن يحل لنا الربا والزنا فأبى عليّ أن يكتب لنا فسألنا خالد بن سعيد بن العاص فقال له عليّ: تدري ما تكتب؟ قال: أكتب ما قالوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأمره. فذهبنا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال للقاريء: " اقرأ " فلما انتهى الى الربا قال: ضع يدي عليها فوضع يده فقال: ¤ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ¤ ثم محاها وألقيت علينا السكينة فما راجعناه فلما بلغ " الزنا " وضع يده عليها وقال: ¤ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ¤. ثم محاها وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا.

وقد زعم بعضهم أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتلو الكتب الدينية القديمة ومنها استقى معلوماته، وهذا الزعم لا أساس له، إذ لم يكن في جزيرة العرب كتب دينية باللغة العربية في ذلك الوقت. ومن المؤكد أنه ما كان يعرف أي لغة من اللغات الأجنبية.

وقد قيل أيضا: إنه صلى الله عليه وسلم اقتبس بعض تعاليم المسيحية أثناء سفره إلى الشام عندما كان يتاجر، وبديهي أن التاجر العربي الذي لا يعرف اللغة الآرامية واليونانية كان يتعذر عليه الحصول على معلومات دينية من مسيحي الشام. أما الذين كانوا يتكلمون العربية من هؤلاء المسيحيين فقد كانوا جهالا أميين.

وأما ما قيل من أن ورقة بن نوفل ترجم جزءا من الكتب المسيحية إلى العربية فغير محتمل بالمرة، ومع ذلك يزعم درمنغم في كتابه ( حياة محمد ) أن ورقة ترجم الأناجيل إلى العربية وهذا رغم لا أساس له إنما هو مجرد ظن.

فالمستشرقون الذين زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف القراءة والكتابة غضوا الطرف عن الآيات التي صرحت بأنه كان أميا. ذلك لأنهم وجدوا أن القرآن معجز ويحتوي على قصص الماضين وعلى شريعة عظيمة فاقت كل الشرائع وفيه عظات بالغة وحكم وأمثال رائعة وأن أبناء هذا العصر مع تقدم العلوم والفنون وانتشار الجامعات لم يستطيعوا أن يضعوا شريعة للناس كالشريعة الإسلامية ولا آدابا وأخلاقا كالآداب والأخلاق الواردة في القرآن، فهالهم الأمر وتحيروا وقالوا في أنفسهم: من جاء لمحمد صلى الله عليه وسلم هذا العلم كله، وكيف كان أميا؟ فإن قيل لهم هذا دليل على نبوته وأنه صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه، لم يسلموا - لأنهم لو سلموا بنزول الوحي عليه لزمه التصديق برسالته تخلصا من هذا المأزق، ونفوا عنه الأمية وقالوا إنه كلن يقرأ ويكتب ويتلو الكتب القديمة ولما وجدوا أن التاريخ لا يساعدهم على هذا الزعم لأن معاصريه صلى الله عليه وسلم أقروا أنه كان أميا وأن ذلك يطابق ما جاء في القرآن، قال قائلهم: إنه كان يخفي أمره ويكتم عن الناس ( وعن الناس جميعا حتى عن زوجاته وأولاده وجميع أصحابه )! علمه بالقراءة والكتابة. وهذا قول مضحك لأن الذي يقرأ ويكتب لا بد أن يراه أحد بل يراه كثير من الناس، فإن هذا أمر لا يمكن إخفاؤه كالأكل والشرب. هذه الحقيقة وهذا ما نعتقد وما يجب أن يعتقده كل باحث في السيرة المحمدية والشريعة الإسلامية.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد