إبحث في المدونة

السبت، 16 فبراير 2019

مدينة يثرب

City Yathrib
مدينة يثرب

سميت يثرب بعد الإسلام مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عبارة عن جملة قرى تقع في سهل خصب وبينها وبين مكة 200 ميل وهي في شمالها. جاء في معجم البلدان لياقوت [ إن لهذه المدينة تسعة وعشرين إسماً ] ثم سردها. وكذا أحصى المجد الشيرازي اللغوي نحو ثلاثين إسماً وذكر السمهودي في كتاب ( وفاء الوفا ) أربعة وتسعين إسماً وقال: إن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ونقل ابن زبالة أن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: بلغني أن للمدينة في التوراة أربعين إسماً.

فمن أسمائها أثرب كمسجد ويثرب، قال تعالى: ¤ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ¤ والبلد. قال تعالى: ¤ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ¤ ودار الهجرة والسنة وطيبة وطابة وقرية الأنصار ومدينة الرسول ومضجع الرسول وأكالة البلدان والمباركة والمسكينة والعذراء والباردة والفاضحة.

أما قدرها فهي في مقدار نصف مكة وهي في حرة سبخة ولها نخيل كثير ومياه، ونخيلهم وزروعهم تسقى من الآبار عليها العبيد وللمدينة سور وللمسجد في نحو وسطها وقبر النبي صلى الله عليه وسلم في شرق المسجد وهو بيت مرتفع وليس بينه وبين سقف المسجد إلا فرجة وهو مسدود لا باب له وفيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غُشي بمنبر آخر والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر ومصلاه صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه الأعياد في غربي المدينة داخل الباب.

و ( بقيع الغردق ) خارج المدينة من شرقيها وهو مدفن أكثر أمواتها و ( قُبا ) خارج المدينة على نحو ميلين إلى ما يلي القبلة وهي شبيهة بالقرية و ( أُحد ) جبل في شمال المدينة وهو أقرب الجبال إليها مقدار فرسخين وبقربها مزارع ونخيل وضياع لأهل المدينة  ( وادي العقيق ) فيما بينها وبين الفرع ( الفُرع ) من المدينة على أربعة أيام جنوبها وبها مسجد جامع غير أن أكثر هذه الضياع خراب وكذلك حوالي المدينة ضياع كثيرة أكثرها خراب. وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق.

وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم شجرة المدينة بريداً في بريد من كل ناحية ورخص في الهش وفي متاع الناضح ونهى عن الخبط ( ضرب الشجر بالعصى ليتناثر ورقها ) وأن يعضد ويهصر. ولم تكن المدينة بلداً خصباً مثمراً، إنما كان بها بعض النخيل والماشية ومن خصائص المدينة أنها طيبة الريح وللعطر فيها فضل رائحة لا توجد في غيرها ونمرها الصيهاني لا يوجد في بلد من البلدان مثله ولهم حب اللبان ومنها يحمل إلى سائر البلدان. وجبلها أحد قد فضله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أحد جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة " حجارة أحد من الجرانيت.

المسافات من المدينة إلى مكة نحو عشر مراحل ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة وطريق البصرة إلى المدينة نحو من ثماني عشرة مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن الرقة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة. ومن البحرين إلى المدينة عن طريق الساحل.

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد أهلها من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله تعالى: ¤ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ¤ فأحسنوا الكيل بعد ذلك.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأربعاء، 13 فبراير 2019

العداوة بين الأوس والخزرج

enmity between Ous Khazraj

العداوة بين الأوس والخزرج

كانت أول فتنة وقعت بين الأوس والخزرج << حرب سمير >> وذلك أن رجلاً حليفاً يقال له كعب فاخر الأوس بشيء فغضب منهم رجل يقال له سمير وشتمه ثم رصده حتى خلا به فقتله. فغضب مالك بن عجلان وطلب الرجل عشيرته فأنكروا معرفته وعرضوا عليه الدية فقبلها فأرسلوا إليه نصف دية لأن الرجل حليف لا نسيب فأبى إلا دية كاملة فامتنعوا ولج الأمر حتى أفضى إلى المحاربة فاقتتلوا مرتين كانت النصرة في الثانية منهما للأوس، فلما افترقوا أرسلت الأوس إلى مالك أن حكم بيننا المنذر بن حرام النجاري الخزرجي وهو جد حسان بن ثابت فأجابهم إلى ذلك فحكم بأن يؤدي الأوس إلى مالك دية الصريح ثم يعودون إلى سنتهم القديمة فرضوا بذلك وافترقوا وقد شبت البغضاء في قلوبهم وتكنت العداوة بين القبيلتين.

ثم إن كعب بن عمرو المازني الخزرجي تزوج امرأة من بني سالم فأمر أحيحة بن جلاح رئيس بني جحجبا من الأوس جماعة أن يرصدوه ويقتلوه ففعلوا فدعا أخوه عاصم قبيلته للنصرة فاستعدوا والتقوا هم والأوس واقتتلوا قتالاً شديداً فانهزمت بنو جحجبا وانهزم أحيحة فركض وراءه عاصم فأدركه وقد دخل الحصن وأغلقه فرماه بسهم فلم يصبه فقتل أخاً له فعزم أحيحة أن يكبس بني النجار وكان متزوجاً بامرأة منهم فلم يرضها ذلك وخافت على قومها فسارت إليهم ليلاً وقد نام أحيحة بعد سهر طويل وأنذرتهم فلما هم أحيحة إذا هم على سلاحهم فلم يقدر عليهم فضرب امرأته حتى كسر يدها لما بلغه ما فعلت وطلقها.

ثم كانت حرب بين بني وائل بن زيد من الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج. وذلك أن الحصين بن الأسلت الأوسي نازع رجلاً من بني مازن وقتله فتبعه قوم من بني مازن فقتلوه فبلغ ذلك أخاه أبا قيس بن الأسلت فجمع قومه وانذمت الأوس والخزرج كلها فاقتتلوا قتالاً شديداً فانهزمت الأوس.

ثم كانت حرب بين بني ظفر من الأوس وبني مالك بن النجار من الخزرج، وذلك أن رجلاً من ظفر كان يمر إلى أرضه في أرض رجل من بني النجار فمنعه فلم يمتنع فنازعه فقتله الظفري فاجتمع قومهما واقتتلا فانهزم بنو مالك بن النجار.

ثم إن رجلاً من بني النجار أصاب غلاماً من قضاعة وقتله وكان عم الغلام جاراً لمعاذ بن النعمان الأوسي فطلب معاذ ديته من بني النجار فامتنعوا فلقيهم بقومه عند فارع أطم حسان بن ثابت ولم يزل القتال بينهم حتى حمل الدية إليه عامر بن الإطنابة فاصطلحوا حالاً.

ثم كانت الوقعة المعروفة بحاطب وهو وهو حاطب بن قيس من بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف الأوسي وبينها وبين حرب سمير نحو مائة سنة وكان سبب هذه الحروب أن حاطباً كان رجلاً شريفاً سيداً فأتاه رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فنزل عليه ثم إنه غدا يوماً إلى سوق قينقاع فرآه يزيد بن الحارث المعروف بابن فسحم وهي أمه وهو من بني الحارث بن الخزرج فقال يزيد لرجل يهودي: لك ردائي إن كسعت هذا الثعلبي فأخذ رداءه وكسعه كسعة سمعها من بالسوق فنادى الثعلبي يا لحاطب كسع ضيفك وفضح. وأخبر حاطب بذلك فجاء إليه فسأله من كسعه فأشار إلى اليهودي فضربه حاطب بالسيف ففلق هامته فأخبر ابن فسحم الخبر وقيل له: قتل اليهودي قتله حاطب، فأسرع خلف حاطب فأدركه وقد دخل بيوت أهله فلقي رجلاً من بني معاوية فقتله ( ولا ندري السبب الذي دعا ابن فسحم أن يحرض ذلك اليهودي على ضرب الثعلبي في دبره ) فثارت الحرب بين الأوس والخزرج وكان الظفر فيها للخزرج وهذا اليوم من أشهر أيامهم، وكان بعده عدة وقائع كلها من حرب حاطب فمنها: يوم الربيع، ويوم البقيع، والفجار، الأول والثاني، ويوم بعاث وهو آخر الأيام بينهم.

وفي يوم الفجار الثاني حافت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني، وسبب حرب يوم بعاث هو أن قريظة والنضير جددا العهود مع الأوس على المؤازرة والتناصر واستحكم أمرهم وجدوا في حربهم ودخل معهم قبائل من اليهود غير من ذكرنا فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت وحشدت وأرسلت حلفاءها من أشجع وجهينة وأرسلت الأوس حافاءها من مزينة ومكثوا أربعين يوماً يتجهزون للحرب والتقوا ( ببعاث ) وهي من أعمال قريظة. وعلى الأوس حضير الكتائب والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضي وتخلف عبد الله بن أبي ابن سلول فيمن تبعه عن الخزرج. وتخلف بنو حارثة بن الحارث عن الأوس. فلما التقوا اقتتلوا قتالاً شديدا وصبروا جميعاً، ثم إن الأوس وجدت من السلاح، فولوا منهزمين نحو العريض فلما رأى حضير هزيمتهم برك وطعن قدمه بسنان رمحه وصار واعقراه كعقر الجمل والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا، فعطفوا عليه وقاتل عنه غلامان من بني الأشهل يقال لهما: محمود ويزيد ابنا خليفة حتى قتلا وأقبل سهم لا يدري من رمى به فأصاب عمرو بن النعمان البياضي رئيس الخزرج فقتله فبينا عبد الله بن أبي ابن سلول يتردد راكباً قريباً من بعاث يتجسس الأخبار إذ طلع عليه بعمرو بن النعمان قتيلاً في عباءة يحمله أربعة رجال كما كان قال له. فلما رآه قال: ذق وبال البغي. وانهزمت الخزرج ووضعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح: يا معشر الأوس أحسنوا ولا تتلهوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا هنهم ولم يسلبوهم وإنما سلبهم قريظة والنضير وحملت الأوس حضيراً مجروحاً فمات وأحرقت الأوس دور الخزرج ونخيلهم فأجار سعد بن معاذ الأشهلي أموال بني سلمة ونخيلهم ودورهم جزاء بما فعلوا له في الرعل، ونجى يومئذٍ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي أخذه فجز ناصيته وأطلقه، وهي اليد التي جازاه بها ثابت في الإسلام يوم بني قريظة.

الخلاصة

تبين لنا من تاريخ الخزرج والأوس أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو ومزيقياء الذي خرج من اليمن بعد تفرق أهل سبأ بسيل العرم وأن هذا السيل ليس خرافة بل حدث مراراً وخرب السد فغرقت البلاد.

وقد لبثت الخزرج والأوس حيناً من الدهر مع اليهود يحيون الأرض الموات ويزرعونها وهم في عسر شديد وكان اليهود هم أرباب الأموال فحدث نزاع وشجار بينهم وبين اليهود وهو أشبه بشيء بالثورات التي حدثت بين المزارعين أو العمال والمتمولين في القرون الأخيرة.

ثم نشبت حروب بين الأوس والخزرج فتارة كان النصر فيها للخزرج وأخرى للأوس وكان الظفر في أكثرها للخزرج. وأخيراً حالفت قريظة والنضير الأوس على الخزرج وانضم بنو قينقاع إلى الخزرج على تلك الحروب الطاحنة بين القبيلتين الأختين كان سببها - بناء على ما وصل إلينا من تاريخها - حزازات شخصية كان في الإمكان ملافاتها. لكن العداء اشتد بينهما لما في طبيعة العرب من التمسك بالأخذ بالثأر. وقد بلغت العاداوة بين الخزرج والأوس مبلغاً عظيماًقبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وآخر الحروب بينهم يوم بعاث الذي هزم فيه الخزرج وكان حوالي 616 م فلما سئموا القتال أجمعوا على تتويج عبد الله بن أبي ابن سلول ملكاً عليهم وابن سلول هذا هو هو الملقب برأس المنافقين وكلن رئيس الخزرج ولما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارهاً مصرّاً على النفاق والضغن فكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون. وقد حسد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الإسلام منع تتويجه وأخذته العزّة فأضمر الشرّ وهو الذي قال في غزوة المصطلق: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّْ. فقال ابنه عبد الله للنبي: هو والله الذليل وأنت العزيز يا رسول الله إن أنت أذنت لي في قتله قتلته فوالله لقد علمت الخزرج ماكان بها أحد أبر بوالده مني. ولكني أخشى أن تأمر به رجلاً مسلماً فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي ينشي على الأرض حياًّ حتى أقتله. فقال صلى الله عليه وسلم: " بل نحسن صحبته ونترفق به ما صحبنا ولا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ولكن بر أباك وأحسن صحبته ".

ولما أنعم الله على الخزرج والأوس بنعمة الإسلام اتفقت الكلمة واجتمع الشمل وتآخى الفريقان فوحد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمهما ولقبهما بالأنصار لأنهم نصروه. وتوحيد الإسمين تحت راية الإسلام كان له أعظم أثر في النفوس؛ إذ بذلك امتنع الشقاقوتصافت النفوس وساروا جميعاً نحو غرض واحد وهو نشر الإسلام.

جاء في دائرة المعارف الإسلامية في مادة أنصار ( Ansar ): [ لكأن محمداً أراد أن يشابه بين كلمة الأنصار والنصارى المطلقة على المسيحيين ] وهذا خطأ واضح لأن كلمة أنصار جمع نصير أما نصارى فنسبة إلى قرية بالشام تسنى ناصرة أو نصران وفوق ذلك فإن سبب تسمية الخزرج والأوس بالأنصار معروف وهو أنهم نصروه صلى الله عليه وسلم وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم على التشبه والتقليد.


المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الاثنين، 11 فبراير 2019

الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

Khazraj Aus what between them Jews

الخزرج والأوس وما كان بينهما وبين اليهود

الخزرج والأوس هما قبيلتان مشهورتان من العرب في يثرب وقد لقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار لما هاجر إليهم لأنهم هم الذين نصروه ومنعوه. وقد مر ذكرهم في بيعتي العقبة الأولى والثانية ولا شك أن الباحث يشتاق إلى الوقوف على تاريخ هاتين القبيلتين. وما كان بينهما وبين اليهود من علاقات وحروب لأن ذلك يساعده على فهم تاريخ سكان المدينة، وعلى موقف الأنصار واليهود إزاء الإسلام والمسلمين وليكون على بينة من أمرهم عند ذكرهم في الحوادث التي وقعت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

خزرج وأوس أخوان أبوهما حارثة بن ثعلبة العنقاء، بن عمرو مزيقياء بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وأم أوس وخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة ولذلك يقال لهما ابنا قيلة. وكان منهما قبيلتان مشهورتان عظيمتان من العرب في يثرب تذكران غالباً معاً فيقال الأوس والخزرج. لكن غلب اسم الخزرج وسموا أيضاً الأنصار لأنهم أول من قام بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وساعدوه في حروبه وآووه إلى أرضهم.

أما أصلهم فقد جاء في كتب السير، أنه لما خرج مزيقياء من اليمن بعد تفرق أهم سبأ، بسيل العرم ملك غسان بالشام ثم هلك وملك ابنه ثعلبة العنقاء. ولما هلك ملك بعده عمرو ابن أخيه جفنة فسخط مكانه ابنه حارثة وأجمع الرحلة إلى يثرب ونزل على يهود خيبر وسألهم الحلف والجوار على الأمان والمنعة فأعطوه من ذلك ما سأل وقيل: لما سار ثعلبة بن عمرو بن عامر في من معه اجتازوا يثرب فتخلف بها أوس وخزرج ابنا حارثة في من معهما فنزل بعضهم بضرار وبعضهم بالقرى مع أهلها ولم يكونوا أهل نعم ولا شاة لأن البلاد لم تكن بلاد مرعى ولا نخل لهم ولا زرع إلا الأعذاق اليسيرة فكانوا يحيون الأرض الموات ويزرعونها والأموال لليهود فلبثوا حيناً من الدهر على ذلك وهم في ضيق مالٍ وسوء حال، ثم قدم منهم مالك بن عجلان على أبي جبيلة الغساني فسأله عن حالهم فأخبره بضيق معاشهم. فقال: ما بالكم لا تغلبونهم كماغلبنا أهل بلدنا ووعده أنه يسير إليهم فينصرهم فرجع مالك وأخبر قومه بوعد أبي جبيلة فاستعدوا له، وقدم عليهم وخشي أن يتحصن منه اليهود فاخذ حائراً وبعث إليهم فمال خواصهم وحشمهم وأذن لهم في دخول الحائر ثم أمر جنوده فقتلوهم عن آخرهم. وقال للأوس والخزرج: إذا لم تتغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فلأحرقنكم ورجع إلى الشام. فأقاموا في عداوة مع اليهود ثم صنع لهم مالك بن عجلان طعاماً ودعاهم فامتنعوا خوفاً من الغدر فاعتذر إليهم مالك عن فعل أبي جبيلة ووعدهم أنه لا يقصد مثل ذلك فأجابوه وجاؤوا إليه فغدرهم وقتل 87 من رؤسائهم وفر الباقون وصورت البهود مالكاً في كنائسهم وبيعهم وكانوا يلعنونه كلما خلوا.

وذكر ابن الأثير رواية أخرى وهي أن اليهود كان لهم ملك إسمه الفيطون وكان ظالماً فاسقاً. وقد سن سنة أن كل امرأة تتزوج يدخل عليها قبل زوجها. فاتفق يوماً زفاف أخت مالك هذا فأتت مجلساً فيه أخوها وكشفت عن ساقها. فقال لها أخوها: قد أتيت بسوء. فقالت: الذي يراد بي الليلة أشد من هذا فثارت النخوة في رأسه واحتال على الدخول معها عند الملك في زي امرأة فلما خلا المكان قتله وفر إلى أبي جبيلة ولم يكن هذا ملكاً لغسان بل معظماً عند ملوك غسان وقد ذلوا بعد هذه الفعلة وخافوا ولجأ كل قوم إلى بطن من الأوس والخزرج يستنصرون بهم ويكونون لهم أحلافاً، وعظم شأن مالك وسوده الحيان. ولم يمض زمان طويل حتى أثرى الأوس والخزرج وامتنع جانبهم وقد تناسلوا وتكاثروا وتشعبوا عدة بطون فكان بنوا الأوس كلهم لمالك بن الأوس فمنهم خطة بن حنش ومالك وكلفة. ومن مالك معاوية وزيد. ومن زيد عبيد وضبيعة وأمية ومن كلفة جحجبا. ومن مالك بن الأوس الحارث وكعب ابنا الخزرج بن عمرو بن عوف بن مالك. فمن كعب بنو ظفر. ومن الحارث بن الخزرج حارثة وجشم. ومن جشم بنو عبد الأشهل. ومن مالك ابن الأوس أيضاً بنو سعد وبنو عامر ابنا مرة بن مالك فبنو جعد الجعادرة. ومن بني عامر عطية وأمية ووائل بنو زيد بن قيس بن عامر. ومن مالك بن الأوس أيضاً أسلم وواقف ابنا امريء القيس بن مالك. فهذه بطون الأوس كما ذكر ابن خلدون.

وأما الخزرج فخمسة بطون من كعب وعمرو وعوف وجشم والحارث.

1- فمن كعب بن الخزرج، بنو ساعدة بن كعب.

2- وعمرو بن الخزرج بنو النجار وهم: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو وهم شعوب كثيرة: بنو مالك وبنو عدي وبنو مازن وبنو دينار، كلهم بنو النجار. ومن مالك بن النجار، مبدول واسمه عامر وغانم وعمرو. ومن عمرو عدي ومعاوية.

3- ومن عوف بن الخزرج، بنو سام والقوافل وهما: عوف بن عمرو بن عوف. والقوافل: ثعلبة ومرضخة بنو قوقل بن عوف، بنو العجلان ابن زيد بن عصم بن سالم وبنو سالم بن عوف.

4- ومن جشم بن الخزرج بنو غضب بن جشم ويزيد بن جشم. فمن غضب بنو بياضة وبنو زريق وبنو عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب. ومن يزيد ابن جشم بنو سلمة بن سعد بن علي بن راشد بن ساردة بن زيد.

5- ومن الحاث بن الخزرج، بنو خدرة وبنو حرام ابني عوف بن الحارث بن الخزرج. فلما فعلوا ما فعلوه باليهود واعتزوا وكثروا تفرقوا في عالية يثرب وسافلتها وملكوا أمرها في حلفهم من جاورهم من قبائل مضر ثم قامت الفتن بين الحيين وكل منهم يستنصر بمن حالفه من مضر واليهود ورحل عمرو بن الإطنابة من الخزرج بن المنذر ملك الحيرة فملكه على الحيرة واتصلت الرياسة في الخزرج والحرب بينهم وبين الأوس.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأحد، 10 فبراير 2019

معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

agreement Messenger Allah with Jewish

معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود

قال ابن إسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط عليهم واشترط لهم:

بِسْــمِ الله الرَّحْمَــــنِ الرَّحِيــــمِ

" هذا كتاب من محمّد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكا طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة نفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وأن المؤمنين لا يتركون مفرجاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ولا يحالف مؤمن مولى من دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن. وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وأنه من يتبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وأن كل غازية غزت معنا تعقب بعضها بعضاً وأن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن وأنه من اغتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده الى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما دامو محاربين وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وأن لبني الشطنة مثل ما ليهود بني عوف وأن البردون الإثم وأن موالي ثعلبة كأنفسهم وأن بطانة يهود كأنفسهم وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينحجز على ثار جرح وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة والبردون الإثم وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين؛ وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وأن ليهود الأوس مواليهم وأنفسهم مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن من أهل هذه الصحيفة وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

السبت، 9 فبراير 2019

خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول خطبة صلاها بالمدينة

Sermons Messenger Allah first prayer tcity

خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول خطبة صلاها بالمدينة

هذا نص الخطبة التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف.

" الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالاً بعيداً. وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم، ثم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكراً، وأن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة. ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت حتى يفتقر المرء الى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد. والذي صدق قوله وأنجز وعده ولا خلف لذلك فإنه يقول عزّ وجلّ: ¤ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ¤ فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله يوقي مقته ويوقي سخطه، وإن تقوى الله يبيض الوجوه ويرضي الرب ويرفع الدرجة. خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله. قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ على بينة ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإنه يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم ".

هذه هي أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في أول جمعة ونلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيها أهل مكة ولا ما كان من عنادهم وإصرارهم على الكفر وإيذائهم للمسلمين، وتآمرهم على قتله بل قصر خطبته على حض المسلمين على التقوى وتذكيرهم بالله تعالى وهذا في الحق غاية الأدب ومنتهى ما يصل إليه حلم الحليم. ولو كان غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستفزه الغضب وعدد مثالبهم لأنهم هم الذين خذلوه واضطهدوه وأخرجوه من أحب البلاد إليه وكانوا عقبة في في سبيل تبليغ رسالة ربه وقد صدق الله تعالى حيث قال: ¤ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ¤.

نعم إن هذا خلق عظيم وأدب كريم، ونحن نرى رجل الأحزاب يستعملون في خطبهم أقبح الألفاظ وأشنع الشتائم لأسباب تافهة ومع ذلك يزعمون أنهم قادة وسادة ينشرون العلم والمدنية وينشدون الإصلاح والحرية!!.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

ذكر الهجرة في القرآن

Description migration Koran
ذِكْرُ الهِجْرَةِ في القُرْآن

قال تعالى: ¤ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ¤ وهذا إعلام من الله لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه. إذ يقول لصاحبه، يقول: إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر لا تحزن، وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما فجزع من ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحزن ان الله معنا وإن الله ناصرنا فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا " وقد نصره الله على عدوّه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة العدد.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الجمعة، 8 فبراير 2019

وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة

arrival Messenger Allah Madinah

وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة

وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم اللإثنين من شهر ربيع الأول قرب الظهر. ونزل قباء على كلثوم بن الهدم شيخ بني عمرو بن عوف وهم بطن من الأوس. وقباء قرية على ميلين من جنوب المدينة وهي خصبة بها حدائق من أعناب ونخيل وتين ورمان وأقام بها رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجد قباء وهو الذي أسس على التقوى من أول يوم. ونزل أبو بكر ضي الله عنه على حبيب بن إساف بالسنح ثم قدم عليّ رضي الله عنه ومعه الفواطم وأم أيمن وولدها أيمن و جماعة من ضعفاء المؤمنين بعد أن أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده إلى الناس، ولما وصل نزل عن كلثوم بن الهدم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان علي رضي الله عنه في في طريقه يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وبكى رحمة به لما بقدمه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك. ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يريد المدينة وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي بمن معه من المسلمين وكانوا مئة وهي أول جمعة صلاها بالمدينة وأول خطبة خطبها في الإسلام ثم ركب راحلته ( القصوى ) يريد المدينة وأرخى زمامها فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا: هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة ويعترضون ناقته فيقول: خلوا سبيلها فإنها مأمورة حتى بركت عند موضع مسجده اليوم وكان مربداً للتمر لغلامين يتيمين وهما: سهل وسهيل ابنا عمرو من بني النجار فلما بركت لم ينزل عنها ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به فالتفتت خلفها ثم رجعت الى مبركها الأول فبركت فيه ووضت جرانها ( مقدمة عنقها ) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو أيوب الأنصاري رحل ناقته الى بيته فأقام عنده حتى بنى حجره ومسجده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبي المربد - وكانا غلامين - فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبل منهما هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير ذهباً أداها من مال أبي بكر ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن ( الطوب النيء ) في بنيانه ويقول وهو ينقل اللبن:

هذا الحمال لا حمال خيبر ....... هذا أبر ربنا وأطهر

ويقول:

إم إن الأجر أجر الآخرة ....... فارحم الأنصار والمهاجرة

ثم أودع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم اليهود وكتب بينه وبينهم كتاب صلح وموادعة وسنأتي على نص الكتاب فيما بعد.

وقبل أن يتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء مسجده مات سعد بن زارة بالذبحة والشهقة، وكان نقيباً لبني النجار فطلبوا إقامة نقيب مكانه فقال: أنا نقيبكم ولم يخص منهم أحداً دون آخر فكانت من مناقبهم. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده من ربيع الأول إلى صَفَرْ، فكان مسجداً بسيطاً، جدرانه من اللبن، على قاعدة الحجارة. والسقف من جريد النخل، مقاماً على الجذوع ولم يكن فيه أثر للزخرفة، أو النقش وليس به منبر. فكان الرسول يخطب في باديء الأمر بلا منبر.

فرح أهل المدينة بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً وقابلوه بالإبتهاج وصعدت ذوات الخدور على الأسطحة. وعن عائشة رضي الله عنها: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جلس النساء والصبيان والولائد يقلن جهراً:

طلع البدر علينا ....... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ....... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ....... جئت بالأمر المطاع

ولعبت الحبشة بحرابهم فرحاً بقدومه صلى الله عليه وسلم. وكانت الأنصار يتقربون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدايا رجالهم ونساؤهم.

قال ابن عباس: ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، واستنبيء يوم الإثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الإثنين، وقبض يوم الإثنين، وابتدىء التاريخ في الإسلام من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وأول من أرخ بالهجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبعة عشرة من الهجرة إلا أن التاريخ الهجري يبدأ قبل الهجرة بشهرين. وذلك أنهم جعلوا مبدأ التاريخ المحرم من تلك السنة والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة. ثم كانت الهجرة بعد ذلك في ربيع الأول.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد