الأخبار عن طفولة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قليلة غير مستفيضة لعدم العناية بتدوين السيرة وقتئذٍ، ونذكر هنا أن رسول الله ذات مرّة كان يلعب مع غلمان قريش فكانوا يحملون الحجارة في أزرهم فتبدو عوراتهم، فخالفهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصار يحملها على رقبته لئلا ترى عورته.
وعن عليّ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما هممت بقبيح ممّا هم به أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بالنبوة إلا مرتين في الدهر كلتاهما عصمني الله عزّ وجلّ من فعلهما: قلت لفتى كان معي في قريش بأعلى مكّة في غنم لأهله يرعاها: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة لمكة كما يسمر الفتيان قال: نعم، فلما جئت أدنى دار من مكة سمعت غناءا وصوت دفوف ومزامير. فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلانة، فلهوت بذلك الصوت حتى غلبني النوم فنمت، فما أيقضني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي. فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك ".
إن الله تعالى إذا أراد أن يحفظ شخصا، سدّ عليه أبواب الملاهي والفساد وأوجه العقبات في طريقها وصدّه عن سبيلها بكيفية لا تخطر على بال. لذلك سلط جل شأنه عليه صلى الله عليه وسلم النعاس حتى لا يشهد شيئا مما كان يجري في أفراح الجاهلية من لهو وفرح وخمر وما شاكل ذلك، ليبقى نقيا طاهراً من كل شائبة بل من كل ريبة.
وعن أم أيمن قالت: كانوا في الجاهلية يجعلون لهم عيدا عند بوانة، وهو صنم من أصنام مكة تعبده قريش وتعظمه وتنسك أي تذبح له وتحلف عنده وتعكف عليه يوما إلى الليل في كل سنة، فكان أبو طالب يحضر مع قومه ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر معه ذلك العيد فيأبى ذلك. قالت: حين رأيت أبى طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن عليه أشدّ الغضب وجعلن يقلن: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا وما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا! فلم يزالوا به حتى ذهب معهم، ثم رجع فزعا مرعوبا، فقلن: ما دهاك؟ فقال: " إني أخشى أن يكون بي لمم "، { أي لمة وهي المس من الشيطان }، فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير وما فيك، فمالذي رأيت؟ فقال: " إني كلما دنوت من صنم تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي : " وراءك يا محمد لا تمسه " قالت: فما عاد إلى عيدهم حتّى تنبأ.
ولم يذق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ذبح على الأصنام. وقيل له عليه الصلاة والسلام: هل عبدت وثنا قط؟ قال: "لا" قالوا: هل شربت خمراً؟ قال: "ما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر، وما كنت أدري مالكتاب ولا الإيمان { أي كيفية الدعوة إليهما }. وعنه صلى الله عليه وسلم: " لما نشأتُ بغضت إليّ الأصنام والشِعر ".
وكان عليه الصلاة والسلام يرعى الغنم في صغره لزيادة الرحمة في قلبه فكان يرعاها لأهل مكة كما تقدّم.
وحضر النبيّ صلى الله عليه وسلم حرب الفجار قيل كان عمره 14 سنة وكان يناول عمومته السهام. كما حضر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم حلف الفضول.
ولما سافرإلى الشام في تجارة لخديجة - رضي الله عنها - ظهرت أمانته ونجح في تجارته وربح ربحا طائلا، قال ميسرة غلام خديجة: يا محمد أتجرنا لخديجة؟ (كذا سفرة ) ما رأينا ربحا قط أكثر من هذا الربح. وقد أحبه ميسرة حبّا عظيما لما رآه من أمانته وحسن أخلاقه.
ومما يدل على رجاحة عقله وحضور بديهته لحل المشكلات، الطّريقة التي ابتكرها لإشراك المتنازعين في وضع الحجر الأسود.
وقد وثقت به خديجة لما بلغها من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه فاستأجرته ليتاجر لها وضاعفت له الأجر، وكانت - رضي الله عنها - امرأة عاقلة شريفة فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرها غلامها عن حميد صفاته دعته وقالت له: إني رغبت فيك لقرابتك مني وشرفك في قومك وأمانتك عندهم وحس خلقك وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها فلما تزوجها كان مثال الزوج الصالح وكان موضع احترامها وتقديرها، يدل على ذلك قولها له بعد نزول الوحي وهي تهدّيء روعه: والله لا يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
وقد كانت أول من آمن به. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقّها: " أفضل نساء الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم " ( امرأة فرعون ). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليها كثيرا أمام عائشة - رضي الله عنها - حتى أدركتها الغيرة. فالوفاق بينهما في المعيشة الزوجية كان بالغا حدّه ولا شكّ أن هذا من حسن الخلق وصفاء السيرة والسريرة.
ولما أدركت عائشة - رضي الله عنها - الغيرة من حسن ثنائه على خديجة قالت: هل كانت إلا عجوزا فقد أبدلك الله خيرا منها. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب ثم قال: " لا والله ما أبدلني الله خيرا منها. آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء " قالت عائشة فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئةٍ أبدا. فكان عليه الصلاة والسلام متحليا في صغره وشبابه بخير الخلال وأجلّ الصفات بعيدا عن الشبهات.
المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
