إبحث في المدونة

الاثنين، 14 يناير 2019

حماقة أبي جهل

The foolishness of Abu Jahl

لما عاد رسول الله آسفاً من عناد قومه وتشبثهم بالكفر قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه آلهتنا. وإني أعاهد الله لأجلسن له غداً بحجر ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه. ومن هذا تظهر شدة عداوة أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم وهذه العداوة أخرجته عن حد العقل فأخذ يسلك سلوك الجهال ولكن الله سبحانه وتعالى أنقذ النبي من شرّه ونجّاه من غدره.

كان أبو جهل فرعون هذه الأمة اسمه عمرو بن هشام، قتل يوم بدر كافراً وكانت بدر في السنة الثانية من الهجرة. قتله عمرو بن الجموح وابن عفراء الأنصاريان، وكانا حدثين وحديثهما في الصحيحين مشهور. وفي كتب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقتولاً قال: " قُتل فرعون هذه الأمة " وقد كان سيء الخلق فظا غليظ القلب. فمن ذلك أنه ظلم تاجراً قدم من زبيد بثلاثة أجمال حسان فسامها منه أبو جهل بثلث أثمانها ثم لم يسمها لأجله سائم فأكسد عليه سلعته ولم ينصفه غير السول صلى الله عليه وسلم لأنه ساومه حتى ألحقه برضاه وأخذها رسول الله فباع جملين بالثمن وأفضل بعيراً باعه وأعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه.
وكان أبو جهل وصيّاً على يتيم فأكل ماله وطرده فاستعان اليتيم بالنبي صلى الله عليه وسلم فمشى معه ورد إليه ماله منه.

وابتاع من شخص يقال له الأراشي أجمالا بأثمانها فلما استعان الرجل برسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أنه غريب وابن سبيل وأن أبا جهل غلبه على حقّه قالم معه إلى أبي جهل وضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال: محمد. وخرج اليه وقد امتقع لونه. فقال: اعط هذا الرجل حقه فامتلأ رعبا وأعطى الرجل حقه. 

هذا هو أبو جهل وهذا شيء من غلظته وجوره وهضمه للحقوق.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش

What show on messenger Allah from Quraysh

قال عتبة بن ربيعة يوماً وهو جالس في نادي قريش والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلّمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبى الوليد فقم إليه فكلّمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يابن أخي انك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم وسفّهت به أحلامهم وعبت به آلهمتهم ودينهم وكفّرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبا منا بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يابن أخي ان كنت انما تري بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد مُلكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني قال: أفعل قال: بسم الله الرحمــــن الرحيــــم ¤ حم ¤ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ¤ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ¤ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ¤. ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد. ثم قال: " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك ".

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.

لقد ظن أبو الوليد في باديء الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ما يعرضه عليه من مال وجاه وملك فأظهر له استعداد قريش لمنحه كل ما يبغي على ألا يتعرض لدينهم ولا يدعوهم إلى ترك عبادة الأصنام. ظن ذلك لأن الإنسان ولا سيما الفقير المحتاج يطمع في المال وتغرّه أبّهة الملك فيتشبث بهما ويسعى إليهما ما وجد للسعي سبيلا ولو كان أبو الوليد عرض ذلك كله أو بعضه على غير النبي صلى الله عليه وسلم لاغتبط به واتفق مع قريش في الحال وأراح نفسه وأصحابه من العناء والإيذاء والتعذيب والتهديد بالقتل في كل وقت. ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن طامحاً إلى شيء من ذلك أصلا ولم يكن في وسعه أن يتنحى عن الدعوة إلى الإسلام مهما حاولت قريش صرفه عنها. ألا ترى أنه قال لعمّه أبو طالب: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في ما تركته ". وما ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره بنشر الدعوة حيث قال: ¤ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ¤ قُمْ فَأَنذِرْ ¤ وقال عزّ شأنه: ¤ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ¤. أي اصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. فكيف بعد هذا الأمر الإلهي تخور عزيمته وتفتر قوّته ولا يصبر على كل ما يصيبه من الإيذاء؟. بل كيف يغترّ بحطام الدنيا وينخدع لما تعرضه عليه قريش من ملك وجاه ومال.

ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفض ما عرضوه عليه قالوا له: يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا فسل لنا ربّك الذي بعثك به فليسيّر عنّا هذه الجبال التي ضيّقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحقّ هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال: ما بهذا بُعِثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك. وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا. وما بُعِثت إليكم بهذا ولكن اللخ بعثني بشيراً ونذيراً - أو كما قال - فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا: فأسقط السماء علينا كِسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفععل. فقال رسول الله ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل. قالوا: يا محمد فما علم ربّك أنا تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منا ما جئتنا به، إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمــن وإنا لا نؤمن بالرحمــن أبداً فقد اعتذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك لرسول الله قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل ثم قال له: فوالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقي فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيم الله لو فعلت ذلك ما ضننت أني أصدّقك!! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً آسفاً لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه.

إن هذه المطالب التي طلبتها قريش من النبي صلى الله عليه وسلم مطالب مدهشة تدل على شدّة تعنتهم وعنادهم وعلى أنهم لا يريدون أن يؤمنوا إلا إذا شاهدوا المستحيلات ورأوا خوارق العادات ولذلك سألوا رسول الله أشياء عجيبة لا تخطر على البال بقصد تعجيزه والتشهير به فسألوه أن يغيّر طبيعة بلادهم فيسيّر الجبال ويفجر الأنهار ويحيي الموتى أو أن يجعل الله له الجنان ةالقصور ويعطيه الكنوز. فهذه مطالب عبّاد المادة عباد الأصنام. ثم ما أسخف ما سأله عبيد الله بن أبي أمية بن المغيرة الذي طلب أن يتخذ النبي عليه الصلاة والسلام سلما إلى السماء ويأتي بصك وأربع ملائكة يشهدون معه على صحة ما يقول. ولماذا كل هذا؟ ليؤمن عبد الله بن أبي أمية! هذا وقد قاسى الأنبياء صلوات الله عليهم الصعاب في سبيل هداية الكفّار الذين كانوا يرمونهم بالضلال والسفاهة والجنون والسحر. قال تعالى: ¤ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ¤ فبماذا أجابوه على ذلك؟ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ¤.

ولما دعى هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله رموه بالسفاهة والكذب. قال تعالى: ¤ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ¤ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ¤.

ولما أظهر موسى عليه السلام المعجزة وألقى العصا فانقلبت ثعبانا ادعوا أنه ساحر. قال تعالى: ¤ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ¤ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ¤. فالمتعنتون لا يؤمنون مهما رأوا من الآيات البينات وخوارق العادات: ¤ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ¤. فهل بعد ذلك مكابرة وإصرار على الكفر؟.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

الأحد، 13 يناير 2019

عذاب المسلمين ع أيدي قريش

Torture of Muslims


أخذت قريش تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتؤذي من آمن به حتى عذبوا جماعة من المستضعفين عذاباً شديداً يدل على مبلغ تعصبهم وقسوتهم.

فمن الذين عُذِّبوا جل اسلامهم بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر. وكان أبوه من سبي الحبشة وأمه حمامة سبية أيضاً وهو من مولدي الشراة وكنيتة أبو عبد الله فصار بلال لأمية بن خلف الجمحي فكان إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ثم يأمر بالصّخرة العظيمة فتلقى على صدره ويقول: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فكان بلال وهو في هذه الحال يقول: " أحد، أحد " فرآه أبو بكر يعذب، فقال لأمية بن خلف الجمحي ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال: أنت أفسدته فأنقذه. فقال: عندي غلام على دينك أسود أجلد من هذا أعطيكه به قال: قبلت، فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذ بلالاً فأعتقه. وقيل: اشتراه أبو بكر بخمس أوراقٍ. أما أمية بن خلف فقتله بلال، واشترك معه معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وحبيب بن أساف.
قال ابن اسحاق: أما ابنه عليّ فقتله عمار ابن ياسر وحبيب بن أساف وذلك في موقعة بدر.
 
ومن المعذّبين عمار بن ياسر وأبو اليقظان العنسيّ وهو بطن بن مراد. وعمار هذا أسلم هو وأبوه وأمه وأسلم قديماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم بعد بضعة وثلاثين رجلاً. أسلم هو وصهيب في يوم واحد. وكان ياسر حليفاً لبني مخزوم فكانوا يخرجون عماراً وأباه وأمه إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم في بحرّ الرمضاء فمرّ بهم النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: " صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنّة " فمات ياسر في العذاب وأغلظت امرأته سميّة القول لأبي جهل فطعنها في فرجها بحربة فماتت!! وهي أول شهيدة في الإسلام وشددوا العذاب على عمار في الحرّ على صدره تارة وبوضع الصخر في شدة الحرّ على صدره تارة أخرى. فقالوا: لا نتركك حتى تسب محمداً وتقول في اللات والعزى خيراً. ففعل فتركوه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي فقال: " ما وراءك "؟ فقال: شر يا رسول الله كان الأمر كذا وكذا فقال: " فكيف تجد قلبك "؟ قال: أجده مطمئنّاً بالإيمان فقال: " يا عمّار إن عادوا فعد. فأنزل الله تعالى: ¤ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ¤.

ومنهم خبَّاب بن الأرث وكان إسلامه قديما، قيل سادس ستة قبل دخول رسول الله دار الأرقم فأخذه الكفّار وعذّبوه عذاباً شديداً فكانوا يعرّونه ويلصقون ظهره بالرمضاء، ثم بالرضف وهي الحجارة المحماة بالنار ولووا رأسه فلم يجبهم إلى شيء مما أرادوا وهاجر وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونزل الكوفة ومات سنة سبع وثلاثين. وقال علي رضي الله عنه: رحمه الله ان خبّاباً أسلم راغبا وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً وابتغى في جسمه ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.

ومنهم صهيب بن سنان الرومي كنَّاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبا يحيى " قبل أن يولد له. وكان ممن يعذب في الله فعذب عذابا شديدا فلما أراد الهجرة منعته قريش فافتدى نفسه منهم بماله أجمع وجعله عمر بن الخطاب عند موته يصلي بالناس إلى أن يستخلف بعض أهل الشورى.

ومنهم عامر بن فهيرة مولى الطفيل بن عبد الله. وكان الطفيل أخا عائشة لأمها أم رومان أسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكان من المستضعفين يعذّب في الله فلم يرجع عن دينه واشتراه أبو بكر وأعتقه. ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار مهاجرين أمر أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة أن يروح بغنم أبي بكر عليهما وكان يرعاها وهاجر معهما إلى المدينة يخدمهما. وشهد عامر بدراً وأُحُداً وقتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة.

ومنهم لبيبة جارية بني مؤمل بن حبيب بن كعب أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يعذّبها حتى تفتن ثم يدعها ويقول إني لم أدعك إلا سآمة فتقول كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم فاشتراها أبو بكر فأعتقها.

هذه أمثلة ذكرها مؤلف كتاب رسول الله ليتّضح للقاريء اشتداد العذاب على هؤلاء المساكين رجالاً ونساء.
ومما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الإيذاء ما قاله ابن عمر كما في البخاري: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله فلفَّ ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فجاء أبو بكر فأخذ بمنكبه فدفعه ه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية ثم قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله!

وفي رواية البخاري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه. فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه وثيت النبي صلى الله عليه وسلم لله ساجداً فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك فانطلق منطلق إلى فاطمة فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً حتى ألقتهم عليهم تسبهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم عليك بقريش ". ثم سمى فقال: " اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد " وقد سقطوا جميعهم صرعى يوم بدر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الثالثة


المفاوضة الثالثة

أصرّ أبو طالب على الدفاع عن ابن أخيه قياماً بالواجب عليه نحو من تربى في كفالته ونشأ في بيته وعملاً بالمروءة. ولكنه مع ذلك بقي على دينه ولم يعتنق الإستلام لذلك صارت مهمّته شاقّة ومركزه حرجاً فأمامه قريش متعصّبة لدينها وقد أغضبها قيام محمد صلى الله عليه وسلم بنشر الإسلام ومحاربة الأصنام، وصاحب الدعوة لا يثنيه عن القيام بما أمر به سخرية ساخر أو اضطهاد مضطهد فلو أن أبا طالب أسلم لكان دفاعه أعظم وحجته أبلغ أمام العرب واحكم، ولكنه ظل على دين آبائه ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن عقيدة بل أداء لواجب القرابة.

وفي هذه المرة مشوا إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد. فقالوا: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد فتى قريش وأشعرهم وأجملهم فخذه فلك عقله ونصرته فاتخذه ولداً وأسلم لنا ابن أخيك هذا الذي سفه أحلامنا وخالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك نقتله فإنما رجل برجل. فقال: والله لبئس ما تسومونني ! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله لا يكون أبداً فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن مناف: لقد أنصفك قومك وما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً. فقال: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك، وكل قاريء يرى أن ما عرضته قريش على أبي طالب في غاية السّخف، لكنهم كانوا يتلمسون الحيل للخلاص من صاحب الدّعوة صلى الله عليه وسلّم بأي حال فلما يئسوا من إجابة طلبهم اشتدّت قريش على من أسلم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذّبونهم ويفتنونهم عن دينهم. وقام أبو طالب في بني هاشم فدعاهم إلى منع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوا إلى ذلك.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

السبت، 12 يناير 2019

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الثانية

Quraish negotiation Abu Talib in ordered Messenger Allah

المفاوضة الثانية

ثم لما تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكّروا في مفاوضة أبي طال مرة أخرى. فمشوا إليه وقالوا: يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنما قد اشتهيناك أن تنهي ابن أخيك فلم تفعل. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آلهتنا وآبائنا، وتسفيه أحلامنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا، ثم انصرفوا عنه. ومعنى ذلك أنهم هدّدوا أبا طالب في هذه المرّة وأظهروا له العداوة. فعظم عليه فراق قومه وعداوتهم له، ولم تطب نفسه بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذلانه فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه ما قالت قريش، وقال له: أبق على نفسك وعليّ ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمّه قد خذله وضعف عن نصرته. فقال له: " يا عمّاه والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته " ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام. فلما ولى ناداه أبو طالب فأقبل عليه وقال: ( اذهب يابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا ).

فتدبّر أيها القاريء في قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القوّة المعنوية العظيمة أمام شعب معادٍ معاند وشدّة تمسّكه بمبدئه إلى النهاية !!

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد

قريش تفاوض أبا طالب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم #الأولى

Quraish-negotiation-Abu-Talib-in-ordered-Messenger-Allah-First

المفاوضة الأولى

لما رأت قريش أن أبا طالب قد قام دون النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلّمه لهم، مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البَختري بن هشام، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل السهمي ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج. وغيرهم - فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفّه عنّا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه. فقال لهم أبو طالب قولا جميلا وردّهم ردًّا رقيقاً، فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هو عليه. هذه هي المفاوضة الأولى، لكنها لم تثمر شيئاً، إذ ظل الرسول يدعو إلى عبادة الله كما كان.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا
إقرء المزيد

الجمعة، 11 يناير 2019

القرآن يشلّ قبائل العرب

Quran baffles the Arab tribes


تحيّر ألباب العرب في القرآن الذي نزل بلغتهم وهم أهل فصاحة وبلاغة. وخشيت قريش أن ينتشر الإسلام وينتصر النبي صلى الله عليه وسلّم بدينه على الأصنام. فاتفقوا على إطلاق اسم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفّر القبائل منه، ويشوّه سمعته، ويكون عقَبة في سبيل نشر دعوته. ذلك أن الوليد بن المغيرة اجتمع اليه نفر من قريش وكان ذا سنّ فيهم. وقد حضر الموسمُ فقال لهم: يا معشر قريش انه قد حضر هذا الموسمُ. وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه. وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً. فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقل به. قال: بل أنتم قولوا أسمع. قالوا: نقول كاهن. قال: والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه. قالوا: فنقول مجنون. قال: ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخَنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا: فنقول شاعر. قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كلّه رَجَزَه وهزجه، وقرضه، ومقبوضه، ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا: فنقول ساحر. قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُّحار وسحرهم فلا هو بنفثه ولا عقده. فقالوا: فما نقول يابن عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعَذق. وإن فرعه لجَنَّاةٌ وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا ساحر جاء بقول ساحر يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرّقوا عنه بذلك. فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمرّ أحد إلا حذّروه إياه. لكن النتيجة جاءت عكس ذلك فقد انتشر ذكره صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب.

وقد كان ضماد بن ثعلبة الأزدي صديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية. وكان رجلا يتطبب ويرقي ويطلب العلم. فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إن محمدا مجنون. فجاءه وقال: إني راقٍ فهل بك شيء فأرقيك؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: " الحمد الله نحمده ونستعينه. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أم لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد ". فقال له ضماد أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً. فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة، وسمعت قول السحرة، وسمعت قول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات لقد بلغت ناعوس البحر فمد يدك أبايعك على الإسلام فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده فبايعه وأسلم.

وهكذا أخفق مسعاهم وسقط إفكهم والحسود لا يسود، والكذب لا تقوم له قائمة فلا بد أن يسود الحق ويكتسح الباطل أمامه.

المصدر: كتاب رسول الله
المؤلف: محمد رضا.
إقرء المزيد